-A +A
بشرى فيصل السباعي
أسوأ ما يمكن أن يحدث للبشرية أن تصل إلى مرحلة التبلد أمام أي مأساة فقط، لأنها باتت معتادة لطول فترتها، وهذا ما حصل مع مأساة المسلخ البشري في سوريا المستمر منذ حوالى العقد، مما نتج عنه مقتل حوالى مليون إنسان وأضعافهم من المصابين بإعاقات وتشوهات مدمرة، وحوالى عشرة ملايين لاجئ في دول العالم، وحوالى مليون مقيم في الخيام على الحدود، وملايين السوريين يعيشون على تبرعات الهيئات الخيرية لتوقف أعمالهم ومجال كسبهم؛ بسبب الحرب وعلى حافة الجوع وأجيال نشأت محرومة من التعليم، وبالتالي لا مستقبل واعدا بالنسبة لها، مما يهدد بأزمات ومشاكل خطيرة ناتجة عن وجود هذه النسبة الكبيرة من الشباب غير المؤهلين والعاطلين، لأن هذا يجعلهم شريحة هشة أمام غواية الجماعات الإرهابية والإجرامية، وسوريا كبلد زراعي باتت أراضيها مزروعة بالألغام التي تسببت في منع الناس عن العمل في زراعة أراضيهم، وما عاد هناك أي أمل ولا إمكانية بانتصار الثورة ولا بالقضاء على الجماعات التي تولدت عن الثورة، واستمرار الحرب أكثر من هذا هو عبثي وعدمي بشكل مطلق وحاصل فقط لأنه لا توجد قوة دولية تبنت جهود الوساطة لإيقاف الحرب كما حصل مع الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 16سنة (1975-1990) ولم تنته إلا بتولي السعودية لمبادرة قيادية لإنهائها أثمرت عن ما عرف بـ«اتفاق الطائف»، والذي أنهى الحرب الأهلية، ومن سيتبنى إنهاء الحرب الأهلية في سوريا بجهود وساطة قيادية مشابهة سيصبح قوة قيادية في المنطقة، لأنه بتحقيقه هذا النجاح سيصبح تلقائيا مرجعية كل الأطراف المتحاربة في العالم العربي لإنهاء الأزمات والحروب الأهلية التي تعصف بهم عبر جهود الوساطة، وإنهاء الحرب في سوريا ليس فقط ضرورة لدواعٍ إنسانية، فكل العالم العربي متضرر بشدة من استمرارها؛ فسوريا تحولت إلى بيئة حاضنة ومفرخة للجماعات الإرهابية والإجرامية وتجارة المخدرات التي أغرقت الخليج والتي تستعمل أموالها لتمويل الحرب وغيرها من تجارة الممنوعات والتهريب والاتجار بالبشر. والجماعات الإرهابية لم تحصر نشاطاتها فقط في مناطق سيطرتها، فمن قاموا بعمليات إرهابية في السعودية وغيرها من دول الخليج والغرب وذبحوا آباءهم وأمهاتهم كلهم أعلنوا ولاءهم لجماعات إرهابية مناطق سيطرتها في سوريا والعراق، لهذا لا يمكن القضاء على حاضنة الإرهاب بدون إيقاف الصراعات والحروب الأهلية في العالم العربي عبر جهود الوساطة واتفاقيات على غرار اتفاق الطائف، وأمريكا تخلت عن دورها القيادي في الوساطة بالنزاعات الدولية والإقليمية، وروسيا جعلت نفسها طرفا في النزاعات بمشاركتها العسكرية فيها، ولهذا لا يقبل منها أن تقوم بدور وساطة، والأمم المتحدة وكل الهيئات الدولية لا فاعلية ذاتية لها ولا تتحرك إلا فقط لمساندة حراك ودعوة ومساعٍ دولة مبادرة بالدور القيادي للوساطة، ولذا كل الحروب العدمية العبثية الحالية بالعالم العربي هي مستمرة بلا أدنى غاية ولا نتيجة حاسمة متوقعة يمكن تحقيقها من وراءها لأي من الأطراف فقط، لأنه لا توجد جهة وسيطة فاعلة ضاغطة قدمت نفسها للعب هذا الدور القيادي البديل عن القوى الدولية باتجاه التوصل لاتفاقات تنهي الحروب، وما يصنع أو يذهب المكانة القيادية العالمية لأي دولة هو «دور الوساطة» في إنهاء النزاعات والصراعات والحروب بشكل تفاوضي سلمي، والسعودية بحكم مكانتها الدينية ووزنها الإقليمي هي المؤهلة الوحيدة للعب هذا الدور وصنع اتفاق طائف ثان ينهي الحرب الأهلية في سوريا وبنجاحها فيه ستصبح تلقائيا مرجعية راعية لدور الوساطة في بقية الحروب الأهلية العربية.