-A +A
عبدالله بن بخيت
قبل أن أحدد الوسائل والطرق التي نعرف من خلالها عدد سكان المملكة من الجن سأعبر عن عتابي على فئة غالية علينا جميعاً. في كل مرة تأتي سيرة الجن على ألسنة داعتنا الأفاضل نسمعهم يقولون (إخواننا الجن). أرى أن هذا التعبير ينطوي على خلط كبير، استغرب أن يصدر عن مجموعة حباها الله العلم والثقافة والوعي وكان لهم الفضل الأعظم في ما جرى للشعوب الإسلامية مؤخراً، فضلاً عن تبصيرنا بأمور ديننا على مدى أربعين سنة متواصلة.

لا يخفى على مثقفينا وعلى رأسهم دعاتنا الأفاضل ورقاتنا الشرعيين الأفاضل أن الجن مذاهب، فيهم المسلم والكافر، فيهم الليبرالي والعلماني، فيهم السعودي وغير السعودي، ليس من الحكمة أن نصفهم بإخواننا، الأفضل -حسب وجهة نظري- أن نصفهم بشركائنا، فكلمة شريك تحصر الدلالة في المصالح المتبادلة.


كان الجن يأتون من الهند لسماع محاضرات كبار المشايخ في المملكة. لا شك أن هذا يغبط كل مسلم في قلبه ذرة من إيمان، ولكن في رأيي أن الجن الذين يأتون من الهند وغيرها من البلاد الإسلامية لم يكن هدفهم العلم وحده. كثير منهم يأتي لطلب الرزق (طبعاً لا أعمم).. يعملون عند بني جلدتهم جن المملكة وفي الوقت نفسه يحضرون دروس العلماء في أوقات فراغهم. هذا متبع حتى عند الأنس، فالإنسي السعودي مثلاً يذهب للعمل في سفارات بلاده فيستغل الفرصة ليلتحق بدورات أو جامعة في أوقات فراغه.

كانت المملكة قبل سنوات قليلة جاذبة للجن المهاجرين من كل مكان، الأمر الذي يتفق مع نظرية العالم الأنثروبولوجي الألماني أفغانشتاين. إذا قارنا بين عدد الجن في أيام الصحوة وعددهم قبل الصحوة سنجد فرقاً لا يمكن إنكاره. أخشى أن كثرة الجن الوافدين أخل بالتركيبة الديموغرافية للجن السعوديين، مما أثّر سلباً على برامج السعودة لديهم.

إذا تتبعنا تصريحات رقاتنا الأفاضل سنلاحظ أن الجن الذين يدخلون في السعوديين ويغرفون عقولهم جلهم من الأجانب. أثناء نفثات رقاتنا على الممسوس غالباً يخرج لهم جني يهودي أو جني أفريقي أو كافر... إلخ. بيد أن ما يعوض الجن السعوديين عن فقدان وظائفهم وما يثلج الصدر أن معظم الجن الكفرة يدخلون الإسلام على أيدي الدعاة ويحسن إسلامهم. دخول كثير من الجن الكفرة الإسلام على أيدي الرقاة أنشأ علاقة حميمية بين الرقاة والجن. سيتبادلون الهدايا والنصائح وسيتبادلون الزيارات أيضاً. سيستضيفهم الراقي في بيته والجني سوف يستضيف الراقي في مخربته. كمية المعلومات التي سينتزعها الراقي من الجني أثناء التسامر تكفي لتزويد الدارسين بفكرة يمكن البناء عليها لقياس عدد الجن في المملكة.

في دراسة أجريت في مدينة برلين الألمانية بعيد الحرب العالمية الثانية تبين أن عدد الجن الألمان فاق عدد الإنس الألمان بستة أضعاف. دفع هذا الوضع النادر الألمان إلى زيادة أعداد الرقاة لإحداث التوازن الديموغرافي بين الجن والإنس من جهة وبين الجن الألمان والجن الوافدين من جهة أخرى. على ضوء ذلك طرح العالم الألماني أفغانشتاين نظريته الشهيرة المعروفة بالتوازن المطرد، التي تقول: كلما ازداد عدد الدعاة ازداد عدد الرقاة، وكلما ازداد عدد الرقاة ازداد عدد الجن، وكلما ازداد عدد الجن ازدادت أعداد الخرائب. القفزة في كمية الخرائب التي خلفتها الحرب في ألمانيا شجعت ملايين الجن على الهجرة إلى القارة الأوروبية وخاصة ألمانيا. وللحفاظ على تفوق الجن الألمان على الجن الأجانب عمدت حكومة كونراد اديناور إلى تدريب وتطوير أكبر عدد من الرقاة والدعاة لضبط التوازن. ساعد هذا الإجراء السريع على احتواء الأزمة والحفاظ على حقوق الجن الألمان.

حسب نظرية أفغانشتاين أيضاً نستطيع أن نتوصل إلى عدد الجن في المملكة. نحصي كم داعية في المملكة وكم راقٍ وكم في المملكة من مخربة. حاصل جمع كل هذا نضربه في المعامل الثابت الرقم (ثلاثة) فيكون الناتج هو عدد الجن في المملكة.