من الواضح تماماً أن العالم ينتقل سريعاً نحو الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، هذا الانتقال بدأت بوادره منذ الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ثم أصبح أكثر فوضوية مع الرئيس السابق دونالد ترمب كما الكثير من ملفات السياسة الخارجية، وها هي تترسخ أكثر وأكثر مع إدارة بايدن عبر تحالفات ينسجها الطرفان منها تحالف أوكوس الذي يضم إلى الجانب الأمريكي كلاً من المملكة المتحدة وأستراليا، وكذا تحالف كواد الذي يضم الهند واليابان وأستراليا إضافة إلى الولايات المتحدة بالطبع. أما الصين فهي حريصة إلى عدم الاندفاع لإعلان التحالفات ولكنها على الأقل باتت على تفاهمات مع الجانب الروسي وهي مستمرة بمشاريعها التي تربط فيها دول متعددة عبر مشروع الحزام والطريق. وبالرغم من كل ذلك فإن ما نشهده يبتعد بنا عن الفهم التقليدي باعتبار الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، ما نشهده اليوم مختلف كل الاختلاف وبالتالي التحالفات ليست أمراً مفروغاً منه. عملية الفصل بين المعسكرين الشرقي والغربي بعد الحرب العالمية الثانية كانت عملية يسيرة بشكل نسبي، باعتبار الهوة التي تفصل بين النموذجين أيديولوجياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً، بينما السر في التقدم الصيني أن الدولة الشيوعية استعارت النموذج الرأسمالي وفق شروطها وأحكمت سيطرتها عليه. وبالتالي الاقتصاد الذي أنهك الاتحاد السوفيتي ربما يكون سلاحاً بيد الصين. الأهم من ذلك العلاقات بين بكين والغرب متشعبة ومتداخلة إلى الحد الذي يجعل الصين هي الدائن الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية. أما عن العلاقات الصينية ـ الأوروبية فحدّث ولا حرج. معظم الشركات الأوروبية لديها فروع في الصين وتمثل الدولة الشيوعية السوق الأكبر لمنتجاتها. وبالتالي القطيعة مع هذا البلد أمر غير مطروح في الأمد المنظور. من حيث المبدأ كان الاعتقاد السائد بأن أوروبا سوف تسير في القافلة الأمريكية وسوف تكون جزءاً من هذه الحرب في مواجهة بكين وموسكو. ولكن ما حدث خلال السنوات الماضية ربما يجعلنا نعيد النظر، فهناك شعور أوروبي بأن الولايات المتحدة لا تعبأ بالتحالف مع بروكسل وهي لا تقيم للقارة العجوز أي وزن، لذلك لا بد من الاعتماد على الذات. إذا كان الأمر كذلك فإن المعيار الذي يجب أن تستند عليه أوروبا هي مصلحة دولها. قامت أوروبا ببعض السياسات التي تهدف لحماية المصالح الأوروبية منها الإصرار على استيراد الغاز الروسي، كما رفضت الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، بل أصرت على استخدام التقنيات الصينية في الجيل الخامس من شبكات الاتصالات. ومع ذلك فإن العقبات كبيرة أمام إمكانية صياغة سياسة أوروبية مستقلة وأخذ موقف حيادي، فهي لا تمتلك مقومات أساسية، فالمشروع الأوروبي يترنح والقرار السياسي مشتت والسياسات الدفاعية ما تزال تعتمد على واشنطن. أوروبا تدخل حقبة غاية في الخطورة، فأمامها تحديات كثيرة متعلقة بمشروعها الوحدوي وموقعها على الساحة الدولية والعلاقة مع الولايات المتحدة والأهم من ذلك موقعها في خريطة الصراع القادم.
فهل تفعلها بروكسل وتجعل بوصلتها مصالح القارة العجوز بغض النظر عن أي اعتبار آخر كما تفعل الولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر؟
فهل تفعلها بروكسل وتجعل بوصلتها مصالح القارة العجوز بغض النظر عن أي اعتبار آخر كما تفعل الولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر؟