-A +A
علي بن محمد الرباعي
ليس لجُلّ المواطنين اليوم حديثٌ أكثر تداولاً من الحديث عن (منصة إحكام) بحُكمِ أن مُهلة الرفع بالأراضي الزراعية على المنصّة تُشارفُ على الانتهاء، ولا ريب أن الضغط على المنصة، وعلى المواطن كبير، فالمزارع في مناطق ومدن ومحافظات، (مهجورة) غالباً، والأجيال المتعاقبة هاجرت للوظائف في العواصم، وانقطعت عن الحرث والصرم، وليس من السهولة بمكان أن يعرف كل إنسان أملاكه بنفسه، سوى القريب من الأرض، وغير المنقطع عنها.

البعض لديه كبير أمل في التمديد، ومنح وقت كافٍ، خصوصاً أنه لا قلق مِنْ ولا على أملاك، محتفظة بطبيعتها، ورسمها التليد، وما كان معلوماً بالمعالم والأثر العيني، متيقن بأنه مملوك لأسرة أو عائلة، وليس مثل الأراضي المنفكة عن الاختصاص، والداخلة ضمن ما يُسمى جبلي أو حِمى أو أشفية.


يتطلّع البعض لرصد الملاحظات الواردة لإحكام، من المعنيين بالشأن الزراعي، ومن موظفي دولة سابقين، ومن مُزارعين كبار سن، ما يؤذن بإعادة النظر في آليات تطبيق القرار، ومراعاة اعتبارات عدة منها الفروق المساحية والطبوغرافية بين المناطق.

لو تحدّثتُ هنا عن منطقة الباحة، تحديداً، (وربما تتقاطع معها مناطق عدة)، فإن لكل قرية وادياً، ولبعض القُرى أودية، وفي كل وادٍ مزارع، لفرد من أفراد القرية، ولكل موضع أو ركيب (اسم) اختاره أسلاف من مئات الأعوام، وبحكم الحدود، وما يُسمى شرعاً (منار الأرض) لم يثبت يوماً اعتداء أحد على أحد، وهناك أعراف معتبرة ومُحترمة، وهي أقرب لروح الشريعة، ومستمدة من القواعد المُقررة عند الفقهاء (المعروفُ عرفاً كالمشروط شرطاً، وكالمعتمد شرعاً) (خُذِ العفو وأْمُر بالعُرف).

ربما من أعجب ما سمعت من مصطلحات (بادر بالإعلان عن أرضك قبل أن يسبقك عليها أحد) وهذا المصطلح، تخويني، ومستحدث، إذ لم يرد على ألسنة الناس، ولم يُذكر في أدبيات المجتمع، في زمن ما قبل الحزم والعزم والرقابة والشفافية والنزاهة، وما خامرت الشكوك، والرِّيَب المواطنين في بعضهم يوماً ما، ناهيك أن يغدو اليوم مدار أحاديث المجالس، وأروقة الإدارات المختصة، فالمواطن السعودي، تربى على قِيم أخلاقية عربية، وإسلامية، تمنعه من التطاول على مال الغير، وإن اعتوره شك في ملكية أرض رجع للعدول والثقات، والذِمم بحمد الله لم تضعف لدرجة انعدام ثقتنا ببعضنا.

لا يزال يحدونا أمل في فسحة من الوقت، تعلنها (منصة إحكام) من باب الرفق بالأنام، ما يتيح للجميع، فرص تسجيل مزارعهم على المنصة، فالمكاتب الهندسية مزدحمة، والبعض من ذوي الدخل المحدود، تتجاوز حيازات عائلته الزراعية عشرات القطع، ما يعني الحاجة لمرحلة الإجراءات ليتمكن جسدياً ومالياً من إتمام ما يلزم.

بعض المواطنين اشتكى عند الرفع المساحي من التداخل بين ملكه وأملاك جيرانه، ما يعني أن تطبيق (قوقل إيرث) لا يضبط المساحات بكل انكساراتها بصورة دقيقة، وهذه إشكالية سيترتب عليها نزاعات مستقبلية بين المواطنين، وأنظمة الدولة هدفها قطع المنازعات، ووأد مصادر الشقاق.

أتصور أن سماع وجهات نظر المواطنين، والمختصين الزراعيين، والمساحين السابقين في الزراعة والبلديات، والاستعانة بعرفاء القرى ومشايخ القبائل في تحديد مزارع كل مواطن، وكتابة الأسماء على الطبيعة في شرائح ممغنطة، وتحديث تطبيقات الرفع المساحي، وتفعيلها عبر ارتباط بمركز موحّد ينقل صورة وحدود الأرض لـ(إحكام) آلياً سيخفف من المتاعب والمعاناة اليومية.

لم تضع دولتنا أعزها الله نظاماً، ولم تصدر قراراً، إلا وكانت مصلحة المواطنين في رأس أولوياتها، ومن أصيل منهج دولتنا التيسير والتخفيف ورفع الحرج والعنت والمشقة، وكم من قرارات صدرت وأعقبتها استثناءات، ومراجعات، كل ذلك لتحقيق الغايات، دون إعنات، ولا عُسر.