يا لها من حكمة صادقة رائعة، من شاعر عربي «جاهلي» رائع... هو «صلاءة بن عمرو بن مالك أود»، الملقب بـ«الأفوه الأودي»، لاتساع فمه. كان الأفوه من سادات وفرسان قومه. وكان العرب يعدونه من أبرز الحكماء، كما جاء في كتاب الأغاني، للأصفهاني (الجزء 2، ص 198). وله الكثير من القصائد القيمة والأصيلة والخالدة. ومنها: قصيدة «السراة» (الحكام)، التي يضرب بها المثل في الحكمة السياسية، والتي تتحدث عن «إدارة المجتمع» (سياسته) وكون هذه الإدارة بالغة الأهمية للاجتماع الإنساني. فخيرها يعم، وفسادها يعم أيضاً. لذلك، وجب الحرص على أن تكون هذه الإدارة (القيادة) صالحة، يتولاها الصالحون فقط.
وأبرز أبيات هذه القصيدة، التي تغني عن كتاب بأكمله، في موضوعها، هي:
لا يصلح الناس فوضى، لا سراة لهم ولا ســـراة إذا جهالهم سادوا؟
البيت لا يبتنـــى إلا لــه عمـــــد، ولا عمــــاد إذا لم ترس أوتــــاد؟
فإن تجمع أوتاد وأعمدة يومـــاً فقد بلغــوا الأمر الذي كادوا؟
إذا تولى سراة القوم أمرهم، نما على ذاك أمــر القوم فازدادوا؟
****
يرى الأفوه هنا أنه: بما أن الإنسان كائن اجتماعي، لا يعيش إلا في جماعة، فإن من الضروري أن توجد «سلطة» (دولة/ حكومة) تدير أمور الجماعة، حتى لا تتحول هذه الأمور (الحياة العامة) إلى فوضى... يطغى فيها القوي على الأضعف منه. وكما أن من المهم أن توجد سلطة، فإن الأهم أن تكون سلطة سليمة وحكيمة. ولقد برهن علم السياسة الحديث صحة معظم ما قاله الأفوه الأودي في قصيدته هذه، كما سوف نرى.
علم السياسة يؤكد «حتمية» وجود سلطة، في كل بلد، تعمل على استتباب الأمن والنظام، وتلزم الجميع باحترام القانون، المتفق عليه. وهذا العلم وضع الأسس والمبادئ التي يجب أن يقوم عليها النظام السياسي في أي بلد، كي يقوم بمهامه، خير قيام. وما سيادة «الفوضى» في العلاقات الدولية، إلا بسبب افتقار هذه العلاقات إلى حكومة عالمية واحدة، تعمل على استتباب الأمن والنظام في العالم.
هناك قلة من فلاسفة السياسة يدعون لإلغاء الحكومات، بزعم أن الناس ليسوا بحاجة إلى «قوة» تقيد حرياتهم، كما يقولون. وهؤلاء ينادون بسيادة «الفوضى»، ويشار إليهم بـ«الفوضويون». ولكن الغالبية الساحقة من علماء وفلاسفة السياسة تجمع على ضرورة وجود السلطة/ الدولة. ومما يؤكد هذه الضرورة قدم الدولة، وإن ظهرت في صور عدة، سنوجزها اليوم.
****
إن التمعن فيما يعرف بتطور الدولة «التاريخي»، يوضح بأن الدولة -بمفهومها العام- لم توجد فجأة. إذ وجد الإنسان على البسيطة... فرداً وأسراً، في البدء الأول... وجماعة فيما بعد. وقد فطر الإنسان على العيش في جماعة (مجتمع/ دولة) لأنه لا يستطيع العيش إلا في مجتمع، ولا يشبع حاجاته إلا عيشه مع آخرين من بني جنسه. وهذه الغريزة أدت لنشوء المجتمعات المختلفة. ونشوء المجتمعات أدى إلى ضرورة «تنظيم» هذه المجتمعات، أي حسن إدارتها (سياستها) كي لا تسود فيها الفوضى، ويسري طغيان الأقوى على الأضعف. ومن هنا، نشأت الحاجة الماسة للسلطة السياسية، ونشأ التفكير في تطويعها لخدمة البشر. وهذا أقرب تفسيرات أصل «السلطة الحكومية» (الدولة).
عقب ذلك مباشرة، انتشرت الجماعات هنا وهناك... مكونة عشائر، فقبائل.... وبذلك، يمكن القول إن «القبيلة» (Tribe) أو «الدولة القبلية» بمكوناتها وتنظيمها التقليدي المعروف، هي أول صور الدولة وأكثرها بدائية. ثم بدأت الدولة تتخذ بعد ذلك صوراً متطورة مختلفة... إلى أن وصلت إلى وضع الدولة «القومية» الحالي. حيث يقول المؤرخون إن «الدولة» قد مرت في تطورها التاريخي بست مراحـل متتالية، هي كالتالي، لمن يهمه الأمر:
1 ـ مرحلة الدولة القبلية: وبدأت منذ الأزل، واستمرت هي السائدة حتى سنة 3000ق. م. تقريباً. وكان هناك دول بعدد القبائل. ثم:
2 ـ مرحلة نموذج دولة الإمبراطورية الشرقية القديمة: اذ سادت عدة إمبراطوريات في الشرق، حول الأنهار: منذ حوالى سنة 3000ق. م، حتى سنة 1000ق.م، تقريباً، ثم:
3 ـ مرحلة دولة المدينة: حيث كان نموذج الدولة الصغيرة جداً (المدينة) هو السائد عالمياً. وبدأت منذ سنة 1000ق.م. تقريباً، واستمرت هي السائدة حتى حوالى سنة 300ق.م. ثم:
4 ـ مرحلة الإمبراطورية الرومانية: وبدأت منذ سنة 300ق.م (تقريباً)، واستمرت هي السائدة حتى سنة 500 ميلادية، ثم:
5 ـ مرحلة الدولة الإقطاعية: وبدأت منذ سنة 500م (تقريباً)، واستمرت حتى سنة 1800م ـ تقريباً. ثم:
6 ـ مرحلة الدولة القومية: وبدأت منذ سنة 1800م (تقريباً)، ومازالت قائمة حتى الآن (عدد الدول حاليا 199).
****
أي أننا الآن في عصر الدولة القومية. وهذا لا يعني عدم وجود النماذج (الأطوار) الأخرى، عبر كل مراحل التاريخ والعصور. ففي العصور الوسطى (مثلاً) وجدت الدولة الإسلامية، كإمبراطورية كبيرة موحدة، في الوقت الذي كان فيه نموذج الدولة «الإقطاعية» هو السائد في أوروبا. ونتيجة لـ«تعدد» الدول، نشأ ما يعرف بـ«العلاقات الدولية».
وأبرز أبيات هذه القصيدة، التي تغني عن كتاب بأكمله، في موضوعها، هي:
لا يصلح الناس فوضى، لا سراة لهم ولا ســـراة إذا جهالهم سادوا؟
البيت لا يبتنـــى إلا لــه عمـــــد، ولا عمــــاد إذا لم ترس أوتــــاد؟
فإن تجمع أوتاد وأعمدة يومـــاً فقد بلغــوا الأمر الذي كادوا؟
إذا تولى سراة القوم أمرهم، نما على ذاك أمــر القوم فازدادوا؟
****
يرى الأفوه هنا أنه: بما أن الإنسان كائن اجتماعي، لا يعيش إلا في جماعة، فإن من الضروري أن توجد «سلطة» (دولة/ حكومة) تدير أمور الجماعة، حتى لا تتحول هذه الأمور (الحياة العامة) إلى فوضى... يطغى فيها القوي على الأضعف منه. وكما أن من المهم أن توجد سلطة، فإن الأهم أن تكون سلطة سليمة وحكيمة. ولقد برهن علم السياسة الحديث صحة معظم ما قاله الأفوه الأودي في قصيدته هذه، كما سوف نرى.
علم السياسة يؤكد «حتمية» وجود سلطة، في كل بلد، تعمل على استتباب الأمن والنظام، وتلزم الجميع باحترام القانون، المتفق عليه. وهذا العلم وضع الأسس والمبادئ التي يجب أن يقوم عليها النظام السياسي في أي بلد، كي يقوم بمهامه، خير قيام. وما سيادة «الفوضى» في العلاقات الدولية، إلا بسبب افتقار هذه العلاقات إلى حكومة عالمية واحدة، تعمل على استتباب الأمن والنظام في العالم.
هناك قلة من فلاسفة السياسة يدعون لإلغاء الحكومات، بزعم أن الناس ليسوا بحاجة إلى «قوة» تقيد حرياتهم، كما يقولون. وهؤلاء ينادون بسيادة «الفوضى»، ويشار إليهم بـ«الفوضويون». ولكن الغالبية الساحقة من علماء وفلاسفة السياسة تجمع على ضرورة وجود السلطة/ الدولة. ومما يؤكد هذه الضرورة قدم الدولة، وإن ظهرت في صور عدة، سنوجزها اليوم.
****
إن التمعن فيما يعرف بتطور الدولة «التاريخي»، يوضح بأن الدولة -بمفهومها العام- لم توجد فجأة. إذ وجد الإنسان على البسيطة... فرداً وأسراً، في البدء الأول... وجماعة فيما بعد. وقد فطر الإنسان على العيش في جماعة (مجتمع/ دولة) لأنه لا يستطيع العيش إلا في مجتمع، ولا يشبع حاجاته إلا عيشه مع آخرين من بني جنسه. وهذه الغريزة أدت لنشوء المجتمعات المختلفة. ونشوء المجتمعات أدى إلى ضرورة «تنظيم» هذه المجتمعات، أي حسن إدارتها (سياستها) كي لا تسود فيها الفوضى، ويسري طغيان الأقوى على الأضعف. ومن هنا، نشأت الحاجة الماسة للسلطة السياسية، ونشأ التفكير في تطويعها لخدمة البشر. وهذا أقرب تفسيرات أصل «السلطة الحكومية» (الدولة).
عقب ذلك مباشرة، انتشرت الجماعات هنا وهناك... مكونة عشائر، فقبائل.... وبذلك، يمكن القول إن «القبيلة» (Tribe) أو «الدولة القبلية» بمكوناتها وتنظيمها التقليدي المعروف، هي أول صور الدولة وأكثرها بدائية. ثم بدأت الدولة تتخذ بعد ذلك صوراً متطورة مختلفة... إلى أن وصلت إلى وضع الدولة «القومية» الحالي. حيث يقول المؤرخون إن «الدولة» قد مرت في تطورها التاريخي بست مراحـل متتالية، هي كالتالي، لمن يهمه الأمر:
1 ـ مرحلة الدولة القبلية: وبدأت منذ الأزل، واستمرت هي السائدة حتى سنة 3000ق. م. تقريباً. وكان هناك دول بعدد القبائل. ثم:
2 ـ مرحلة نموذج دولة الإمبراطورية الشرقية القديمة: اذ سادت عدة إمبراطوريات في الشرق، حول الأنهار: منذ حوالى سنة 3000ق. م، حتى سنة 1000ق.م، تقريباً، ثم:
3 ـ مرحلة دولة المدينة: حيث كان نموذج الدولة الصغيرة جداً (المدينة) هو السائد عالمياً. وبدأت منذ سنة 1000ق.م. تقريباً، واستمرت هي السائدة حتى حوالى سنة 300ق.م. ثم:
4 ـ مرحلة الإمبراطورية الرومانية: وبدأت منذ سنة 300ق.م (تقريباً)، واستمرت هي السائدة حتى سنة 500 ميلادية، ثم:
5 ـ مرحلة الدولة الإقطاعية: وبدأت منذ سنة 500م (تقريباً)، واستمرت حتى سنة 1800م ـ تقريباً. ثم:
6 ـ مرحلة الدولة القومية: وبدأت منذ سنة 1800م (تقريباً)، ومازالت قائمة حتى الآن (عدد الدول حاليا 199).
****
أي أننا الآن في عصر الدولة القومية. وهذا لا يعني عدم وجود النماذج (الأطوار) الأخرى، عبر كل مراحل التاريخ والعصور. ففي العصور الوسطى (مثلاً) وجدت الدولة الإسلامية، كإمبراطورية كبيرة موحدة، في الوقت الذي كان فيه نموذج الدولة «الإقطاعية» هو السائد في أوروبا. ونتيجة لـ«تعدد» الدول، نشأ ما يعرف بـ«العلاقات الدولية».