-A +A
منى العتيبي
عندما أنشد عبدالله بن إدريس في النادي الأدبي للمعهد العلمي والكليات الذي أنشأه حمد الجاسر عام 1373هـ أول قصيدة له بعنوان «مع الليل» وقد كان آنذاك في ريعان شبابه، وكانت تعد القصيدة البكر له والتي جاءت مثقلة بالكلمات التي تزحف بتثاقل نحو الأمام، مفعمة بالتشاؤم والهموم ذات صبغة ضبابية سوداء، وحينما سمعها أستاذ البلاغة والبديع عبداللطيف سرحان علّق عليها بعد الثناء على شاعرية إدريس وإحساسه المرهف قال: يا بني ما الداعي لهذا التشاؤم وأنت ما زلت في أوليات شبابك؟ والشباب يجب أن يكون قويًّا وصبورًا على مواجهة صعاب الحياة ومتاعبها، محلقًا في آفاق البهجة والسرور، مفعمًا بالنظرة المستقبلية التفاؤلية، وأود من جميع أبنائنا الشباب أن يبتعدوا عن النظرة السوداوية للحياة، تفاءلوا تجدوا الخير، فالتفاؤل هو الصبغة التي يجب أن تلون قصائدنا.

الشاهد في القصة أن شبابنا في مواقع التواصل الاجتماعي أصبحوا ينقادون وراء أصوات سوداوية، ويتبعون أصحاب النظرة التشاؤمية و«الحلطمة» المحبطة، إنهم مختطفون.. مسيجون في سياج تأثير هذه الأصوات دون وعي منهم، وإن أصحاب تلك الأصوات السوداوية نراهم مع كل قرار يخرجون ويجيشون أصواتهم ويصنعون السيناريوهات في مواقع التواصل من أجل التصدي للقرار والتشكيك في فاعليته ونجاحه، ويتصدرون الرأي والتحليل وكأنهم فعلًا على رأس الأمر الذي صدر من أجله القرار، ومطلعون على كل حيثياته وأسراره، وفي هذا يتبعهم الشباب تأثيرًا وعاطفةً وتعلو أصواتهم بالحلطمة والنظرة التشاؤمية دون أن يبدأ الأمر نفسه!


أقرب مثال على ذلك نظام «الدراسة عن بُعد» حين تصدر المشهد أصحاب النظرة التشاؤمية مدعين وهم وجود الفايروس والخطر، مشككين في صواب القرار، وانجرف خلفهم المتأثرون حتى تسيّدت النظرة المحبطة السوداوية المشهد، وتفشّى القلق بين الناس، وإلى آخر ما حصل آنذاك، واليوم مع إعلان العودة الحضورية وجدنا المتأثرين بهم يرفضون العودة الحضورية ويتمسكون بالتعليم عن بُعد!

ما أريد قوله هو ضرورة توعية الشباب بخطورة أهل النظرة التشاؤمية على صحة حياتهم الشخصية نفسيًّا وفكريًّا قبل حياتهم العامة وتفاعلهم معها، ومن الضروري التنبه لهذا الأمر والتمييز بين النقد الاجتماعي البنّاء الذي يخدم مستقبلهم وينمي وطنهم والنقد الذي يستهدفهم ويستخدمهم كأدوات تسهم في هدم مستقبلهم ووطنهم.

الخيط الرفيع الذي يستهدفهم بين الهدم والبناء يحتاج منهم إعمال عقولهم والتخلص من تبعية أهل النظرة السوداوية؛ لذا يجدر بنا أن نجعل أبواب الأمل أمامنا مشرعةً في ظل التفاؤل، ونفتح للمستقبل آفاقًا جديدة، فالوطن يستحق منا أن نحتضن مستقبله بالنظرة الوطنية التفاؤلية.