-A +A
أريج الجهني
لو لم تبع العلا سوى المجدول لكفاها، هذا لب المقال. بلا شك أن زيارتي للعلا في الأسبوع الماضي كانت كالحبل الذي يلقى لمن سقط في بئر المشاغل والهموم ليخرج لمدينة ساحرة تشبه قنينة عطر، فيها فتنة المتاحف الفرنسية ومسحة من هواء السويد النقي، متحف مفتوح، أو سقف أزرق وصخور ذهبية فاتنة تغازلها الشمس بصورة باهرة، لا شيء يشبه العلا، بل لم أكن أتصور أنني سأغرم بها لهذا الحد، ربما لأن للسياح ذائقة مختلفة عن بعضهم البعض، نكهة العلا تشبه نكهة الكلاسيكيين وعشاق التاريخ والحضارات، بلا شك من يأسرهم ضجيج المدن وصخبها لن تكون خياراً مناسباً لهم.

في العلا تجد التجسيد الحقيقي للتمكين خاصة لأبناء وبنات المنطقة، مهرجان التمور كان أحد هذه البرامج المميزة حيث تتميز العلا بالعديد من المنتجات الزراعية التي صدقاً لم أكن أعلم عنها وسررت بما رأيت من تنوع خاصة في التمور، بل تميزت في ألوانها وأصنافها ولعل أشدها لذة (المجدول) الذي كان البديل المؤقت عن (سكري القصيم) أيام الغربة حيث يباع التمر المجدول في المتاجر البريطانية لكن مستورد من دول غير السعودية، وأنا أدعو بريطانيا والاتحاد الأوروبي لتجربة مجدول العلا وسيرون الفرق والجودة والوفرة في المنتجات خاصة أنه نوع عالمي وله صيته وعشاقه.


منتجات التمور السعودية متفوقة، والصناعة التي ترافق هذه المنتجات جديرة بالاحتفاء. العلا (التنوع، الوفرة، الجمال) هي مساحة فائقة من الجمال، بل بوابة للغات والثقافة والتواصل. حيث تم افتتاح معهد عالمي لتعليم اللغات، وهذا يعطيك البعد الاستراتيجي للمدينة الحالمة الشغوفة والمليئة بالقصص واللوحات ليست الفنية فقط، بل لوحة فاخرة من العقول والسواعد الوطنية والأفكار والرؤى التي تزخرف سماء كل زائر أو مقيم.

أدعو رفقاء الذائقة السياحية لعدم تفويت فرصة الذهاب للعلا وتذوق التمور والحمضيات التي سيقام لها مهرجان خاص في يناير 2022 بإذن الله، مشاريع عديدة ولا تنتهي، ومحميات بديعة تعزز الوعي البيئي وتحفظ التوازن ما بين نمور عربية و غزلان أصيلة. والأجمل بلا شك هو الترحاب والبشاشة من أهالي العلا والكرم والضيافة، بل كانت فرصة جيدة لأن أستمع لوجهات نظرهم بشكل مباشر عن التحول النوعي الهائل قبل الرؤية وبعدها وكيف تحدث الشباب عن زيادة فرصهم بفضل الله ثم بفضل هذه المشاريع الخلاقة والمتميزة.

أخيراً، رغم كل هذا الجمال لا أخفيكم أنني شعرت بالحزن وأنا هناك، بل ربما الغبن على ما ضاع من سنوات كنا لا نسمع فيها عن الآثار ولا المتاحف، بل كان يشاع عن الكثير من المناطق التاريخية بأنها (مليئة بالجن)، وحرمنا من التباهي بهذه التحفة والأعجوبة النادرة، ولا أخفيكم أنني لعنت الصحوة كثيراً. لكن نحمد الله على نعمة الوطن ونحمد الله على نعمة الرؤية وعرابها سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. والشكر كل الشكر للهيئة الملكية في العلا لجهودهم ومن جمال إلى جمال.