-A +A
منى العتيبي
تصلني رسائل عديدة من قبل تطالبني بالكتابة عن حضور الهالويين بين أبنائنا وتقليدهم لطقوسه، وكنت أتحاشى الكتابة عن ذلك لاعتباري أن الأمر لا يعدو كونه ظاهرة صوتية نهايتها التلاشي، ولكن ما رأيته هذه الأيام من اتساع التقليد وتبني شخصيات من المشاهير وغيرها هذه الطريقة التي تنم عن مؤشرات لبداية ذوبان المجتمع في الآخر والمهدد لغياب الهوية الثقافية الخاصة بنا وضياع القيم والثوابت والمنطلقات التي تعد عماد البناء لهويتنا وثقافتنا ومجتمعنا.

مؤمنة بأن الآخر ليس بالشر المطلق ولا هو بالخير المطلق، ولذلك هنالك خيط رفيع بين التفاعل مع الآخر بشكل مثالي وبين الذوبان والانصهار في ثقافته وفقدان الهوية، واحتفاء البعض بالهالويين أحد النماذج الجلية على ذلك، فليس المطلوب منا حتى نتفاعل مع ثقافة الآخر أن نخلع ثوب ثقافتنا ونجتهد في ارتداء ثقافته بدون وعي؛ فليس المطلوب منك -يا عزيزي وعزيزتي- أن تحتفل بالهالويين الذي لا يمثل ثقافتك بهذه الطريقة المنسلخة عنك حتى تثبت للآخر بأنك منفتح على ثقافته وأنك حضاري في أفكارك وسلوكك!


الانفتاح على الآخر بشكل حضاري يأتي في صورة عدم المساس والاعتداء على الحرية الثقافية للآخر ولا يأتي في صورة أن تلبس ثقافته وتصبح كالغراب الذي ضيّع مشيته!

من أجل ذلك ينبغي على المختصين في مجال التربية والثقافة تحديدًاً العمل على تقديم الرسالة الواعية للأجيال في كيفية حماية الهوية الثقافية دون الانغلاق على الذات أو الانخراط في الآخر ونكران الذات؛ فالتعايش مع الآخر يقف عند حدود عدم التطاول على حريته بحكمة.