-A +A
حمود أبوطالب
يصعب كثيراً أن أرثي الأستاذ الكبير «علي بن محمد العمير» الذي غادر الدنيا إلى رحاب خالقه مساء الجمعة الماضية، فهو بالنسبة لي ليس فقط الأديب الرمز، والكاتب الفذ، والناقد المتمكن، الذي نهلت وتعلمت منه وتأثرت به كثيراً، وإنما لأنه كان أيضاً بمثابة الأب والصديق والموجه لفترة طويلة من حياتي، حتى دهمه المرض وأجبره على العزلة والانقطاع عن الناس حتى أقربهم إليه.

عرفت عنه مبكراً من أحاديث والدي عنه، وما زلت أتذكر المرة الأولى التي رأيته فيها خلال زيارته جازان وأنا في بداية مرحلة الدراسة المتوسطة، إلى الآن أتذكر هيئته وهيبته وأناقته، ثم عرفت لاحقاً طبيعة علاقته بوالدي، كانا أخوين حقيقيين أكثر منهما زميلين أو صديقين، وتأكدت لي هذه الحقيقة وأنا أكبر وأرى إخاءهما يكبر، وكان رحيل والدي المفاجئ أكبر فجيعة وأشد صدمة تلقاها، فحاول التخفيف من آثارها عليه بمنحي كل الرعاية والتوجيه والعطف الأبوي المتدفق الصادق سنوات طوال.


حدثه والدي خلال الزيارة التي رأيته فيها للمرة الأولى أني مهتم بالقراءة، وكنت وقتها قد قرأت إحدى الروايات ثم تهورت بكتابتها مختصرة بأسلوبي، عرضتها عليه فأخذها وسافر بها معه، لم أهتم بالأمر لكني صرت في غاية الدهشة والفرح عندما رأيتها منشورة في مجلة البلاد التي كان يشرف عليها. كان ذلك التشجيع نقطة مفصلية مبكرة في تعلقي بمحاولات الكتابة، ثم يمضي الزمن لأجد نفسي ذات يوم أكتب عموداً في «عكاظ» إلى جانب عموده الشهير «تحت الشمس» الذي كان شمساً ساطعة في فن كتابة المقال الصحفي، وكم كان فخوراً ومزهواً بي وأنا أكتب معه في صحيفة واحدة.

كان أبو فوزي رحمه الله قلماً لا يبارى وفكراً لا يجارى في الأدب عموماً، والساخر منه خصوصاً. وكان فارساً كبيراً في المعارك النقدية التي كانت تدور رحاها في الصحف والمجلات، يقارع الأكاديميين من أساتذة الجامعات وغيرهم بتمكن وثقة مستمدة من معرفة غزيرة، أما في الكتابة الصحفية فقد كانت لمقالاته خلطة خاصة به وأسلوبٌ لا يحاكيه غيره. كتب وكتب وكتب، ولم يتوقف حتى أعياه الداء وتكالبت عليه الهموم فأغمد قلمه وانزوى بعيداً عن كل شيء.

ويا لها من مصادفة، فقد تواصلت معي قبل فترة قصيرة باحثة تعد رسالة جامعية عن الأستاذ علي العمير، تطلب بعض المعلومات عنه، وكم كنت سعيداً باهتمامها به، لكنه الآن غادرنا كرمز ورائد في الأدب والصحافة ليصبح حقه على الوطن أكبر في الاحتفاء بنتاجه، وتكريمه كما يليق به.

رحمك الله يا أبا فوزي، فقد فقدت أبي مرتين..