-A +A
محمد مفتي
تمر هذه الأيام ذكرى تولي الملك سلمان -حفظه الله- مقاليد الحكم، التي كانت تتويجاً لرحلة كفاح وعمل فاقت نصف القرن من الزمن، سخّر فيها حياته لرفعة هذا الوطن منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض وحتى اليوم، وخلال كل هذه السنين ترك بصمته التطويرية الملموسة على كل نشاط اضطلع بإدارته، وقد كانت طريقته في الإدارة ورؤيته الاستشرافية الطموح وقوداً لنجاح كل عمل، ومن الصعوبة بمكان سرد مسيرة التنمية والنقلة الحضارية التي اختصت بها المملكة خلال الأعوام السبعة الماضية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والقضائية خلال بضعة سطور، فالمملكة غدت أشبه بصرح دائم التطور، لا تنتهي طموحاته وفي حراك مستقبلي مستمر لا توقفه عقبات ولا تعرقله صعوبات.

في ذكرى البيعة السابعة تتزاحم الأسئلة حول الوضع الراهن في المملكة، وتحتشد الذكريات لتقارن بين ما كنا عليه منذ أعوام قليلة وبين ما وصلنا إليه الآن من نجاحات منقطعة النظير على العديد من الأصعدة، ولعله يكفي خوض المملكة لمعركة الانفتاح وتحقيق إنجازات ملموسة من أجل تحقيق تنمية مستدامة للأجيال القادمة، بعد أن كانت بعض الإنجازات التي تحققت خلال فترة وجيزة أشبه بالأماني عند كل مواطن، وها قد بدأنا نخطو خطواتنا الواسعة بكل ثقة واعتزاز نحو تقلد مكانة تليق بنا وسط عالم سريع التغير تكتنفه الصراعات والنزاعات المتزايدة يوماً بعد يوم.


مع مطلع الألفية الثالثة سعت بعض القوى العظمى لتغيير خارطة العالم العربي مستغلة أحداث الحادي عشر من سبتمبر كذريعة للتدخل المباشر في المنطقة، ثم انفجر الصراع العربي والحروب الأهلية من خلال موجة اضطرابات عارمة أعادت تشكيل الحدود والنفوذ مرة أخرى، فظهرت قوى وأنظمة واختفت أخرى بالكامل، وغدت غالبية دول المنطقة على موعد مع الجحيم حيث تسببت الكثير من تلك الاضطرابات في تمزيق العديد من الدول وهدر مواردها وتشريد شعبها، ووسط هذه العواصف العارمة تمكنت المملكة العربية السعودية بفضل الله ثم بحكمة قيادتها من الحفاظ على أمنها وشعبها وسط العواصف الهوجاء ورياح التغيير المكتسحة.

خلال هذه الهزات العنيفة بدت المملكة كواحة خضراء مستقرة وآمنة وسط أتون الصراعات الإقليمية، ويبدو أن رهان بعض القوى الاستعمارية على استخدام الشعوب كوقود للاضطرابات -والتي تم تخطيطها داخل أروقة السياسة الغربية بل وحتى الإقليمية- قد فشل تماماً في المملكة، فخلال تلك الاضطرابات كان شعب المملكة مسلحاً بالوعي ومدركاً تماماً لما يحاك له داخل الغرف المظلمة، وهو ما زاد من اللحمة الوطنية والتفاف الشعب حول قيادته، فلم تتمكن تلك القوى الخبيثة من اقتحام حصون المملكة المنيعة وتصدير حتى جزء من اضطراباتها لها، فالقيادة الحكيمة للمملكة كانت ولا تزال في حالة يقظة بالغة حيث لم تترك ثغرة إلا وسدتها بفضل من الله عز وجل.

في ذكرى تولي الملك سلمان لا يسعنا سوى تهنئة الوطن برموزه الذين لم يغمض لهم جفن للذود عن أمنه ورخاء شعبه، فقد أخذوا على عاتقهم مسؤولية حماية شعب ووطن والحفاظ على مكتسباته التاريخية وإرثه العريق وسط فوضى عارمة، وهم في غاية الانتباه والتيقظ من أي مؤامرة تحاك ضده أو دسيسة توجه للنيل منه، التهنئة هنا ليست للوطن فقط وإنما للملك سلمان وولي عهده الأمير الشاب محمد بن سلمان اللذين تحملا مسؤوليات جسيمة خاصة مع اشتداد الدسائس وتكاثر الأعداء، وتمكنا من تحقيق سجل حافل بالإنجازات، يسمو بالمواطن ويسهم في تحقيق استقراره في الحاضر والمستقبل.

هناك الكثير من تلك الدسائس والمؤامرات التي قد لا يعلم عنها المواطن شيئاً، وقد يظن البعض أن المستهدف من تلك الدسائس هو فئة معينة فقط، غير أنه في حقيقة الأمر فإن المستهدف هو كل مواطن، وبنظرة عجلى على ما يجري على الأرض في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا، سنجد أن الاضطرابات هناك قد أصابت المواطن في مقتل، فالمواطن بعد كل المعاناة الصعبة والصراعات الداخلية والخارجية بات غريباً في وطنه، يائساً ومحطماً وغير قادر حتى على الإنجاز بأي صورة حتى لو توافرت له الفرصة، فالوطن المنهار المخترق يعني مواطناً ذابلاً مرهقاً ضعيفاً لا هم له سوى الحصول على قوت يومه، لا تعني له كلمة المستقبل شيئاً، وعندما ينهار الوطن والمواطن يذهب كل شيء أدراج الرياح.

عندما تحل ذكرى البيعة يكفينا أن نلتفت شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، لنرى ما حل بمواطني تلك الدول التي أصابها الوهن، لنعلم حجم المسؤولية الجسيمة التي حملها الملك وولي عهده من أجل كل مواطن، فقد تحملا مسؤولية حماية الوطن والحفاظ على الإرث الذي سنتركه لأبنائنا، وحماية الوطن من ويلات الحروب الأهلية داخل منطقة تعيش فعلياً على صفيح ساخن، وفوق هذا فإن الأمر لم يتوقف عند مفهوم الدفاع فحسب، بل انطلقت قاطرة التنمية والانفتاح والإصلاح والحداثة مدوية في جميع أركان المملكة، ليراها ويشعر بها القاصي قبل الداني.