قامت فرنسا بوضع الأسس الأولى لتأسيس الدولة اللبنانية، والتي يفترض أن تكون دولة مسيحية في قلب الشرق، كان الاقتراح في بداية الأمر أن تكون هناك دولة جبل لبنان. لكن فرنسا ومن أيدوا فكرة إقامة الدولة أدركوا سريعا أن الدولة العتيدة لا تمتلك مقومات بقائها، لذلك فقد تم ضم الأقضية الأربعة وبيروت إليها حتى يصبح هذا الكيان قابلا للحياة. وبالتالي تعذر إقامة الدولة المسيحية بمقابل إنشاء دولة ذات حضور مسيحي وقائمة على التعايش بين الطوائف المنضوية ضمنه. ومن هنا فإن طابع الدولة اللبنانية قائم على أساس توازن دقيق سياسي وطائفي. وفي كل مرة اختل فيها هذا التوازن انجرت بلاد الأرز نحو الاضطراب والتوتر والاقتتال. في الجولة الأولى من الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 1975 والتي كانت تسمى حرب الفنادق استطاعت فيها قوات اليسار بالتحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية التقدم وأصبح الطريق مفتوحا نحو الحسم والقضاء على قوى اليمين المسيحي، بل إن الزعيم كمال جنبلاط حاول إقناع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بمساندة هذا الحسم، ولكن الأسد أدرك في ذلك الحين أن لبنان لا يقوم على الحسم وإنما يقوم على التوازن، لذلك تدخل الأسد لمساندة اليمين اللبناني على عكس منطق الشعارات في ذلك الحين. منذ غزوة بيروت التي قادتها ميليشيات حزب الله الإرهابية ولبنان يعاني من اختلال هائل في التوازن، فقد تحول هذا البلد إلى مرتع للجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة ومنتجي ومروجي المخدرات، لقد قامت الميليشيات الإرهابية بحسم الصراع في لبنان لصالحها من خلال القوة العسكرية، ومنذ ذلك الحين وكلما أرادت تلك الميليشيات أمرا راحت تهدد باقي اللبنانيين الذين تحولوا إلى رهائن. عندما أراد الحزب الإرهابي تغيير القاضي طارق بيطار لم يتظاهر في الضاحية الجنوبية وإنما أرسل عناصره إلى منطقة عين الرمانة في تهديد واضح بالحرب الأهلية، وترافق ذلك مع شعارات طائفية مستفزة، فكانت أحداث الطيونة. بل إن حسن نصر الله زعيم التنظيم الإرهابي خرج يهدد اللبنانيين بأن لديه 100 ألف إرهابي يستطيع أن يفلتهم على اللبنانيين. قد يعتقد البعض أن السمة الغالبة على علاقة لبنان مع دول الخليج خلال الثلاثة عقود الماضية وتحديدا منذ توقيع اتفاق الطائف، هي علاقة اقتصادية واجتماعية، ولكن في حقيقة الأمر كانت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية صمام أمان منع اندلاع حرب طائفية لطالما سعت إليها ميليشيات حزب الله. لبنان الأعرج منذ عام 2008 كان يتكئ على دعم مادي وسياسي وإعلامي واجتماعي من قبل دول الخليج، بل إن المملكة تغاضت عن سيل من الإساءات اللفظية والإعلامية لم تنقطع، ولكن في السنوات الأخيرة تحول لبنان تحت حكم الميليشيات إلى قوة معادية تحارب المملكة وشقيقاتها الخليجية في كل الميادين، سياسيا وإعلاميا وعسكريا. لبنان الأعرج عليه منذ اليوم أن يعتمد على نفسه وأن يجد صيغة توازنه، ومع ذلك فإن الحزب الإرهابي يدفعه دفعا نحو الرقص على حافة الهاوية.