تابعت خلال الأيام القليلة الماضية مجموعة مهمة ومميزة من الأخبار العلمية وتحديدا في المجال الطبي والقادمة من أروقة مراكز الأبحاث العلمية في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، كان أهمها «نجاح» تحول حالة شلل كامل عند فئران مختبرية إلى حراك طبيعي وكامل للأطراف المشلولة بعد تحفيز متطور وجديد للجهاز العصبي فيها، مما يسهل عملية الانتقال إلى التجارب السريرية على البشر فاتحة الأمل للآلاف حول العالم من أصحاب الإصابات المشابهة. وأيضا كان هناك الخبر الآخر والذي لا يقل أهمية عن الخبر السابق وهو الإعلان عن بخاخ عبر الأنف يساهم في منع مرض الزهايمر بطريقة تشبه اللقاح نوعا ما في فكرتها، وقابل المجتمع الطبي هذا الخبر بعاصفة من التفاؤل وبارقة أمل لمصابي هذا المرض المؤلم. أنتمي إلى جيل نشأ وتربى على خطاب كراهية وتشدد وتطرف كانت من بين مفرداته وأدبياته التحذير من «التغريب» وخطورة ذلك على الناس، وكان من بين متبني هذا الخطاب من يحرّم السفر للغرب حتى لو للدراسة أو العلاج. والحقيقة أن الغرب قدم للعالم منتجات، وخدمات وأفكارا ساهمت بشكل فعال ومؤثر، وباشرت في تحسين جودة ونوعية أسلوب الحياة للملايين من البشر في شتى بقاع الأرض. واليوم بين أيدينا العشرات من النماذج الفعالة لمنتجات وخدمات الغرب التي أضفت عناصر الراحة على حياتنا في مختلف المجالات كالعمل والتعليم والصحة وغيرها بطبيعة الحال. الغرب اعتمد على إعمال العقل وتكريس العلم لأجل تطوير العيش بكرامة للإنسان كمفهوم أساسي وأصيل، وإعلاء مفهوم وقيمة العدالة والحرية، وهي أسس لافتة ومهمة كانت من أهم أسباب التفوق العلمي الهائل والعظيم للغرب على سائر دول العالم. يكثر الحديث عن الفجوة العلمية بين الغرب وسائر العالم، والحقيقة أن الفجوة أكبر بكثير مما يتضح للعامة، فهي أشبه بوصف دقيق وجميل كمن يحسب بعد النجوم في السماء عن الأرض بحسب موقعها الظاهر وقتها، بينما فيزيائيا هي باتت في موقع آخر وما يقاس بالنظر هو الصورة الضوئية فقط. تقدير مكانة الغرب ومعرفة حقيقة قوته ومصادر تفوقه سيجعلنا قادرين بشكل أفضل من الاستفادة منهم بدلا من الخطاب الجاهل الذي كان خطابا مفلسا وخائبا لم يقدم شيئا سوى الكراهية والجهل. التكامل مع الآخر واحترامه وأخذ العلم والحكمة منه هو شعار المرحلة التي نعيشها، لعل ذلك يكون تعويضا عن خيبات التحذير من خطاب التحذير من التغريب السطحي الساذج!