-A +A
طلال صالح بنان
من وظائف الدولة المهمة الوظيفة الاجتماعية. هناك اقترابان نظريان وتطبيقيان للتعامل مع المشكلة الاقتصادية. ما هو المذهب الاقتصادي الذي تعتنقه النخبة الحاكمة في أي مجتمع. هل الحكومة مع التدخل في العملية الاقتصادية... أم أن النخبة الحاكمة لا تتدخل في العملية الاقتصادية؟.

في حقيقة الأمر، من الناحية التطبيقية، ليس هناك حكومة اشتراكية صرف، ولا حكومة رأسمالية بامتياز. لكن تغليب مواصفات توجه النخبة الحاكمة نحو أيٍ من الاقترابين، يدلنا على الهوية السياسية والميول الاقتصادية للحكومات. في الديمقراطيات الغربية المعاصرة في أوروبا وشمال أمريكا واليابان، عادةً ما تلجأ الحكومات الديمقراطية اليسارية (الاشتراكية) إلى تدخل أكبر في العملية الاقتصادية، من أجل توسيع نطاق الوظيفة الاجتماعية للدولة. فيكون هناك إنفاق أكبر على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.. والتوسع في إعانة خدمات مهمة، مثل: الإسكان والطاقة والغذاء.. بل وحتى، أحياناً، تحديد حد أدنى للأجور، وحد أعلى من ساعات العمل.


أما الحكومات الليبرالية المحافظة، فإنها تنأى بنفسها عن التدخل في العملية الاقتصادية بحجة أن ذلك يحد من معدلات النمو.. ويفاقم معدلات التضخم والبطالة، وبالتالي: يعقد المشكلة الاقتصادية. الحل عندهم يكمن في زيادة الإنتاج، وإيجاد حل جذري لأمراض اقتصادية واجتماعية مزمنة مثل: البطالة والتضخم وتباطؤ النمو. كل ذلك لا يمكن أن يتم -من وجهة نظرهم- إلا برفع يد الدولة عن العملية الاقتصادية بإطلاق العنان لقوى السوق (العرض والطلب) في سوق تنافسية حرة تتحدد فيها أسعار السلع والخدمات، عند أثمانها الحقيقية العادلة، وكذا الوصول بمستويات الأجور عند قيمها الحقيقية، فتتحقق مستويات مطردة للتنمية الاقتصادية، ومن ثَمّ يتحقق السلام المجتمعي والاستقرار السياسي.

وإن كان الخلاف الفلسفي بين النظريتين الرأسمالية (الفردية) والاشتراكية (الاجتماعية) يتمحور في الأساس حول قضية سياسية أخلاقية (وظيفة الدولة الاجتماعية)، إلا أن التطبيقات المعاصرة للمجتمعات المتقدمة، مهما كانت الخلفية الأيديولوجية لنخبها الحاكمة، تظهر أنه لا يمكن تماماً التنصل من الوظيفة الاجتماعية للدولة.

في حقيقة الأمر: ليس هناك تضاد نظري وعملي بين الليبرالية الرأسمالية والتداخلية الاشتراكية. لقد نجحت الأحزاب الاشتراكية في دول شمال أوروبا (الأسكندنافية)، وكذلك في بعض دول غرب أوروبا ووسطها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليونان، في فترات متفاوتة، في إيجاد توازن متين بين تحقيق معدلات مطردة في التنمية الاقتصادية مع الاحتفاظ بتراث ديمقراطي عريق من الليبرالية السياسية والاجتماعية.

في المقابل نجد تجربة الصين التنموية العملاقة أثبتت بدورها عدم صحة الفرضية القائلة: بحتمية العلاقة بين الليبرالية السياسية (الديمقراطية) والليبرالية الاقتصادية (الرأسمالية). بينما احتفظ الحزب الشيوعي الصيني باحتكاره المطلق للسلطة، نجح نجاحاً منقطع النظير في تحقيق تنمية اقتصادية رائدة تقوم على أسس الليبرالية الاقتصادية (الرأسمالية).

هناك كلمة بليغة للزعيم الصيني الأشهر تنج «هيساو بينج»، الذي حكم الصين (١٩٧٨ – ١٩٩٢) تفسر المعجزة التنموية التي تشهدها الصين اليوم، حيث أصبحت في أقل من نصف قرن ثاني اقتصاديات العالم، بعد أن كانت حين وفاة ماو (٩ سبتمبر ١٩٧٦) من أفقر دول العالم، حين قال: ليس المهم أن يكون القط أسودَ أو أبيضَ، الأهم؛ أن يكون بارعاً في اصطياد الفئران.