في ختام رحلته الخليجية حطت طائرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المملكة العربية السعودية، حيث التقى في مدينة جدة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد. لطالما راهنت فرنسا على علاقتها مع دول الخليج على امتداد العقود الماضية، وخاصة مع المملكة العربية السعودية التي بنت معها علاقات تاريخية في أفق مجالات متعددة تبدأ من التعاون الدفاعي وصولا إلى التعاون الاقتصادي مرورا بالتعاون الثقافي والسياحي. وإذا ما كانت العلاقات المتينة تبنى على أساس المصالح المشتركة، فهذا تحقق بعمق في العلاقات بين الرياض وباريس، فرنسا لطالما راهنت على المملكة باعتبارها بوابة العالمين العربي والإسلامي ودورها حاسم في قضايا كثيرة، وبدون المرور بالرياض يبدو أي تأثير دولي محدودا للغاية، وهذا ما أدركه الرؤساء الفرنسيون منذ بداية الجمهورية الخامسة مع شارل ديغول. أما المملكة العربية السعودية فقد عمدت منذ بيعة خادم الحرمين الشريفين، وتبوؤ الأمير محمد بن سلمان موقعه إلى بناء شبكة من العلاقات على المسرح الدولي مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وأوروبا بشكل عام، وفرنسا على وجه الخصوص تمثل حجر زاوية في هذه العلاقات الدولية للمملكة. المملكة العربية السعودية تمر بمرحلة متميزة في تاريخها المعاصر حيث تفعّل بشكل سريع ومبدع رؤية 2030، وهذا المشروع الوطني السعودي يجد أصداءه في مختلف دول العالم ومنها فرنسا التي تريد بناء شراكات اقتصادية مع المملكة، وهذا ما بدأ يتجسد من خلال الاتفاقات التي وقعها الطرفان. الرئيس الفرنسي وهو يستعد لخوض غمار حملة انتخابية تكشف مؤشراتها الأولى بأنها سوف تكون حامية الوطيس، يرى أن الوضع الاقتصادي هو نقطة الضعف التي سوف يستغلها خصومه السياسيون، وبالتالي كلما زاد التعاون الاقتصادي مع المملكة وشقيقاتها الخليجية فهذا سوف يعطيه ذخيرة لمواجهة هؤلاء الخصوم، خصوصا أن المشروع الاقتصادي الماكروني في الفترة الأولى تأثر بشكل سلبي بسبب كورونا وكذا مظاهرات أصحاب السترات الصفراء وغيرها من الأزمات التي عانتها فرنسا. أما الساحة الأخرى التي أراد ماكرون أن يحدث فيها اختراقا فهي السياسة الخارجية، فكان الملف اللبناني والذي يمثل التزاما فرنسيا هو الذي وجد فيه ماكرون ضالته، وقد نجح إلى حد ما في تخفيف التوتر بين بيروت ودول الخليج بما فيها المملكة، وكانت المكالمة بين ميقاتي وولي العهد والرئيس الفرنسي كسرا للجليد، وإذا ما أضفنا استقالة قرداحي، ووضع آلية لمساعدات إنسانية، كل ذلك يساهم في تخفيف التوتر، ولكن المؤكد أن هذا التخفيف لا يعني حل الأزمة، لأن ماكرون استمع من مضيفه ولي العهد ثوابت السياسة السعودية تجاه لبنان، بحيث لا يكون مخطوفا من مليشيات إرهابية وأن يكون لبنان دولة لديها سيطرتها على أراضيها وأن لا يكون مصدرا لتجارة المخدرات والممنوعات، وكل هذا تبدى في البيان السعودي الفرنسي حول لبنان. لقد ألقت القمة السعودية - الفرنسية الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية برئاسة ميقاتي، والسؤال الآن: هل تستطيع الإيفاء بالتزاماتها وفقا لهذا البيان؟ لدينا شكوكنا الكثيرة في إمكانية الولوج إلى تنفيذ استحقاقات هي أساس للاستقلال الثاني قبل أن تكون استجابة لمطالب تريد الخير للبنان وشعبه.