في الخمسينات والستينات لم تكن عائلتي من العائلات الميسورة التي كانت تزور لبنان وتتغنى به. وفي السبعينات الميلادية دخلت كثير من العائلات السعودية البسيطة ضمن العائلات المقتدرة، ولكن في الوقت الذي توسعت قدرات السعوديين تنحى لبنان بحربه الأهلية عن أن يكون مطمعا أو حلما للزيارة، فاتجه جيلي يحلم بلندن وباريس ولوس أنجليس. وعندما توقفت الحرب الأهلية في لبنان لم يقرر اللبنانيون الذهاب للمستقبل كحال كثير من البشر، وإنما قرروا العودة إلى الخمسينات والستينات عندما كان لبنان يسمى سويسرا الشرق. مشكلة لبنان أن قرار العودة للخمسينات والستينات كان قرارا فرديا. فالسعودية وبقية دول الخليج اتخذت قرارا مناقضا للقرار اللبناني، حيث آثرت المستقبل على الماضي ولكي يصبح لبنان أكثر تقدما من دول الخليج عليه أن يعيد دول الخليج معه إلى الخمسينات والستينات، وطالما أن هذا الإجراء غير متيسر على مستوى الواقع، اضطر الإعلام اللبناني أن يعيد العالم معه إلى الستينات بالحلم. ولكي يقترب الحلم من الواقع تزخرف لبنان بمظاهر الستينات الحضرية.. أن يسمى المسبح بيسين وتسطر لوحات المحلات التجارية بالإنجليزية أو الفرنسية وأن تخرج المرأة على البحر بملابس البحر... إلخ. كانت تلك الزخارف تخلب لب الخليجيين في الخمسينات والستينات وتثير إعجابهم ولكن وجهة العالم وحركة التاريخ عاندت وأخرجت هذه الزخارف من مفهوم التقدم والتحضر.
ازدادت الخلطة الحلمية عند القائمين على الإعلام اللبناني بأن ظنوا ثم آمنوا أنهم أسهموا في التنمية في السعودية ودول الخليج وأخذوا يتغنون في مقالاتهم وخطبهم ومقابلاتهم بشيء لم يحدث. بوصفي سعودياً درست في مدارس السعودية من أولى ابتدائي حتى تخرجي من الجامعة، لم يدرسني طوال تاريخي في التعليم مدرس لبناني واحد، وإذا كان للعرب فضل في تعليمي فيعود إلى الإخوة المصريين والفلسطينيين والسودانيين والسوريين، وبوصفي كاتباً عملت في الصحافة السعودية قرابة أربعين سنة لم أصادف صحفياً لبنانياً يعمل معنا في كل الصحف السعودية الصادرة في المملكة، وبوصفي مواطناً سعودياً عاش معظم حياته في السعودية لم أرَ طبيباً لبنانياً في مستوصفاتنا أو مستشفياتنا أو حتى في العيادات المستقلة، وأستثني ما ندر. في ذلك الوقت الذي شح الطبيب السعودي كانت مستشفياتنا تمتلئ بالمصريين والهنود. أما على مستوى البناء والتعمير فمن السهل على زائر الرياض اليوم أن يرى مباني الوزارات على شارع المطار القديم وحي الملز وأحياء أخرى تم بناؤها في الخمسينات والستينات ليعود الفضل فيها إلى الشركات المصرية والمهندسين المصريين دون غيرهم. مع منتصف السبعينات عندما بدأت حمى البناء في السعودية والانتقال من البيوت الطينية إلى الأبنية المسلحة وصل المقاول السوري وأسهم في بناء المساكن والمشاريع الصغيرة، وللتاريخ فقط أسهم عدد من اللبنانيين في تأسيس شركة سعودي أوجيه التي أرجو أن تدرس سيرتها في مناهج ضباط المباحث الإدارية. وإذا أراد السعودي أن يعيد الفضل لأصحابه أيضا فعليه أن يتذكر إسهام اليمنيين في البناء والمطاعم ومحلات الخياطة والمهن الخدمية كافة. هذا عن العرب أما الأجانب فحديث آخر. حضور اللبناني في حركة التنمية والتحديث في المملكة لا يذكر، بيد أن هذا لا ينفي أن لبنان ساهم في حركة التأليف في المملكة حين أصبحت المطابع ودور النشر اللبنانية ملجأ لطباعة الكتب السعودية التي تحظر طباعتها داخل المملكة.
الأمر الذي فاقم وهم الإعلامي اللبناني أن الفرد اللبناني كفرد طاقة عمل وخلاق وسهل المعاشرة وصديق إذا أردته، لكن هذه الطاقة الفردية الخلاقة لا يمكن أن تزدهر في بيئة يسيطر عليها زعماء الطوائف وأمراء الحرب ومتفرقو الولاء، فأصبح اللبناني الناجح هو اللبناني المهاجر. يتجاهل الإعلام اللبناني أثناء تفاخره أن هذا اللبناني المهاجر ليس لبنانياً بل ابن البلد الذي احتضنه ووفر له التربة النقية، فالإنسان ينسب للبلد الذي أبدع فيه لا إلى أصله، وإلا أسقطنا عن أمريكا كل أبنائها الخلاقين. يصبح ستيف جوبز سورياً وساتيا هندياً ومايكل جاكسون أفريقياً عندئذ لا يبقى لأمريكا سوى الهنود الحمر.
لبنان ليس ضحية حزب الله. الأمراض الخطيرة عملية تراكمية، فحزب الله لا يمكن أن ينشأ في دول كالسعودية أو مصر أو المغرب ولكن من السهل أن يخرج عن السيطرة ويتورم وينتشر في الدول التي تعيش على الشكليات والوهم والولاءات الخارجية.
ازدادت الخلطة الحلمية عند القائمين على الإعلام اللبناني بأن ظنوا ثم آمنوا أنهم أسهموا في التنمية في السعودية ودول الخليج وأخذوا يتغنون في مقالاتهم وخطبهم ومقابلاتهم بشيء لم يحدث. بوصفي سعودياً درست في مدارس السعودية من أولى ابتدائي حتى تخرجي من الجامعة، لم يدرسني طوال تاريخي في التعليم مدرس لبناني واحد، وإذا كان للعرب فضل في تعليمي فيعود إلى الإخوة المصريين والفلسطينيين والسودانيين والسوريين، وبوصفي كاتباً عملت في الصحافة السعودية قرابة أربعين سنة لم أصادف صحفياً لبنانياً يعمل معنا في كل الصحف السعودية الصادرة في المملكة، وبوصفي مواطناً سعودياً عاش معظم حياته في السعودية لم أرَ طبيباً لبنانياً في مستوصفاتنا أو مستشفياتنا أو حتى في العيادات المستقلة، وأستثني ما ندر. في ذلك الوقت الذي شح الطبيب السعودي كانت مستشفياتنا تمتلئ بالمصريين والهنود. أما على مستوى البناء والتعمير فمن السهل على زائر الرياض اليوم أن يرى مباني الوزارات على شارع المطار القديم وحي الملز وأحياء أخرى تم بناؤها في الخمسينات والستينات ليعود الفضل فيها إلى الشركات المصرية والمهندسين المصريين دون غيرهم. مع منتصف السبعينات عندما بدأت حمى البناء في السعودية والانتقال من البيوت الطينية إلى الأبنية المسلحة وصل المقاول السوري وأسهم في بناء المساكن والمشاريع الصغيرة، وللتاريخ فقط أسهم عدد من اللبنانيين في تأسيس شركة سعودي أوجيه التي أرجو أن تدرس سيرتها في مناهج ضباط المباحث الإدارية. وإذا أراد السعودي أن يعيد الفضل لأصحابه أيضا فعليه أن يتذكر إسهام اليمنيين في البناء والمطاعم ومحلات الخياطة والمهن الخدمية كافة. هذا عن العرب أما الأجانب فحديث آخر. حضور اللبناني في حركة التنمية والتحديث في المملكة لا يذكر، بيد أن هذا لا ينفي أن لبنان ساهم في حركة التأليف في المملكة حين أصبحت المطابع ودور النشر اللبنانية ملجأ لطباعة الكتب السعودية التي تحظر طباعتها داخل المملكة.
الأمر الذي فاقم وهم الإعلامي اللبناني أن الفرد اللبناني كفرد طاقة عمل وخلاق وسهل المعاشرة وصديق إذا أردته، لكن هذه الطاقة الفردية الخلاقة لا يمكن أن تزدهر في بيئة يسيطر عليها زعماء الطوائف وأمراء الحرب ومتفرقو الولاء، فأصبح اللبناني الناجح هو اللبناني المهاجر. يتجاهل الإعلام اللبناني أثناء تفاخره أن هذا اللبناني المهاجر ليس لبنانياً بل ابن البلد الذي احتضنه ووفر له التربة النقية، فالإنسان ينسب للبلد الذي أبدع فيه لا إلى أصله، وإلا أسقطنا عن أمريكا كل أبنائها الخلاقين. يصبح ستيف جوبز سورياً وساتيا هندياً ومايكل جاكسون أفريقياً عندئذ لا يبقى لأمريكا سوى الهنود الحمر.
لبنان ليس ضحية حزب الله. الأمراض الخطيرة عملية تراكمية، فحزب الله لا يمكن أن ينشأ في دول كالسعودية أو مصر أو المغرب ولكن من السهل أن يخرج عن السيطرة ويتورم وينتشر في الدول التي تعيش على الشكليات والوهم والولاءات الخارجية.