ينظر المسلمون في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، نظرة احترام وحب ومودة وتقدير لنبي الله السيد المسيح عيسى «عليه السلام»، وکذلك الأمر لأمه السيدة مريم العذراء «عليها السلام»، فإن لهما مکانة ومنزلة خاصة، يتبين الاهتمام غير العادي للنبي الأکرم بالمسيح عندما يقول «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم»، وفي هذا الحديث وغيره من السنة النبوية الشريفة وكذلك في القرآن الكريم نجد الإجلال والتقدير واضحا أشد الوضوح للمسيح ولأمه مريم العذراء، ولايحتاج لأي إضافة أو شرح و تعليق.
مكانة خاصة للمسيح وأمه في الإسلام ترسخت في القرآن والسنة
إن الإسلام من خلال القرآن الکريم والسنة النبوية الشريفة نزه المسيح وأمه العذراء وأسبغ عليهما مالم يسبغه على الآخرين من أنبياء الله ورسله، بل إن القرآن الکريم اعتبر المسيحية أقرب الأديان إلى المسلمين عندما أکد في الآية الکريمة: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى)، ناهيك أن الأمة الإسلامية لن تنسى أبدا الموقف الذي وقفه النجاشي ملك الحبشة -وکان مسيحيا- من المسلمين الذين استجاروا به من ظلم وجور مشرکي قريش وکيف أنه أجارهم وأکرم وفادتهم على أحسن مايکون.
الإسلام والمسيحية مصدرهما مشكاة واحدة
نحن في صدد الذکرى المبارکة لميلاد عيسى المسيح«عليه السلام»، لذلك نود أن نشير إلى أن ماقد جاء به وما أکده في أقواله لا يختلف عما جاء في الإسلام، والذي يلفت النظر أن البعض يتصور بأن ذلك العهد قد ولى وباعتقادنا أن هذا التصور خطأ، ذلك أن الإسلام لم يقف أو يمنع منطق وأسلوب التسامح والعفو والصفح، بل إننا نجد ما جاء في الآية الکريمة (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) هو في نفس سياق ما قد جاء في إصحاح لوقا آنفا، خصوصا وأن القرآن الکريم قد أکد على العفو کثيرا حتى قال فيه إنه«أقرب للتقوى».
الإسلام والمسيحية منهج للتسامح والعفو
إن أکثر شيء ربط ويربط الإسلام والمسيحية ويشدهما إلى بعضهما بصورة غير عادية، كونهما يٶمنان بمنطق وأسلوب التسامح والعفو، والذي تجسد في عيسى ابن مريم ومن بعده في نبينا الکريم محمد«صلى الله عليه وسلم»، ولا ريب من أن الالتزام بمنطق وأسلوب التسامح والعفو والذي هو جوهر الأديان الإبراهيمية ونبعها الرقراق يأتي من کون أن أحد أسماء الله الحسنى هو «العفو»، وأن التقارب بين الأديان ولا سيما الإبراهيمية منها والرکائز والأرضية المناسبة موجودة فيها ضرورة ملحة، من أجل إغلاق الأبواب بوجه المتطرفين والإرهابيين الذين يسعون من أجل توظيف الدين واستغلاله لغايات ومآرب ضد الأديان کلها على حد سواء، كتلك الاعتداءات الإرهابية ضد المدنيين والتي تضرب الدول الغربية تحت عنوان مزعوم هو خدمة الإسلام، وهي اعتداءات على ديننا نفسه، وإهانة لأخلاقنا الإسلامية وقيمنا، في المقابل تلك الاعتداءات التي طالت المساجد في مجموعة من الدول باسم المسيحية، وهي براء من هذا كله، لذلك علينا أن نفرق بين الأديان السماوية المليئة بروح المحبة والتسامح والعفو ومن يستخدمها عنوانا لارتكاب جرائم شيطانية، لذلك لابد من عزل الجماعات المتطرفة التي تسيء إلى الإسلام والمسيحية بأفعالها الدنيئة.
رؤية المملكة 2030..فتح جسور التواصل مع الأديان وتجسيد للمنهج الوسطي المعتدل
بالتزامن مع ذكرى مولد السيد المسيح عليه وعلى نبينا السلام، نرحب بما تقوم به المملكة العربية السعودية من مبادرات فكرية وحضارية ودينية مذهلة والتي رسخت أرضية ثابتة للحوار والانفتاح، تجسدت بشكل واضح للعالم كله في وثيقة مكة المكرمة التي أطلقتها رابطة العالم الإسلامي بتوجيه من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في إطار رؤية 2030، سواء التي تنحصر بالمسلمين، أو التي تتناول الحوار الإسلامي المسيحي، فهكذا مبادرات هي ترجمة أمينة لمنطلقات ديننا الحنيف فهو دين الاعتدال وفتح الأبواب لتبادل الرؤى والأفكار مع الآخر، وهو دين دولة المواطنة والأخوة الإنسانية مهما كانت المعتقدات والمشارب لأنها كلها تصب في مصب الوطن.