كتبت قبل أسبوعين عن النموذج السعودي في عيون المثقفين العرب، مع تبيان أن ما يسمى ببعض التحامل بالوهابية لم يكن هو مصدر التطرف والغلو، بل كان دعوة إصلاحية تجديدية وإنما الخطر نشأ مع الفكر الإخواني الذي كان نبتة غريبة على المجتمع السعودي.
لقد أردت الرجوع للموضوع، بعد أن اطلعت على مقالة قديمة لعميد الأدب العربي طه حسين كتبها في مجلة «الهلال» المصرية في مارس 1933 يتحدث فيها عن الفكر الوهابي بالقول:
«إنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي خالصاً لله وحده، ملغياً كل واسطة بين الله وبين الناس، هو إحياء للإسلام العربي وتطهير له مما أصابه من نتائج الجهل ومن نتائج الاختلاط بغير العرب...
الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب، وقد كان هذا الأثر عظيماً خطيراً من نواحٍ مُختلفة، فهو أيقظ النفس العربية ووضع أمامها مثلاً أعلى أحبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم والسنان، وهو قد لفت المسلمين جميعاً وأهل العراق والشام ومصر بنوع خاص إلى جزيرة العرب».
ما تعكسه مقالة طه حسين هو صورة الدعوة الوهابية المشرقة لدى مفكري الإصلاح والتحديث العرب، الذين أبرزوا جوانب أربعة هامة في هذه الدعوة: محاربة الجمود والانغلاق، مواجهة الخرافات، تأكيد العلاقة المباشرة بين الله وعباده، الحث على العمل والإنتاجية.
إن هذه المرتكزات الأربعة هي نفسها مقومات الإصلاح الديني في الغرب الحديث الذي فتح باب التنوير والعقلانية والتحرر الفكري، ومن هنا قارن العديد من الدارسين بين الوهابية والبروتستانتية من حيث الخلفيات والتأثير.
وبطبيعة الأمر، كان من الطبيعي والمتوقع أن تتطور الدعوة السلفية الإصلاحية مع تطور الدولة والمجتمع، وذلك ما حدث بالفعل منذ تأسيس الدولة الحديثة مع الملك عبدالعزيز رحمه الله.
والواقع أنه باستثناء شخصيات هامشية لفظتها المؤسسة الدينية ذاتها، لم يكن العلماء الإصلاحيون عقبة أمام مشروع التحديث الذي تبنته الدولة السعودية، ذلك أن الفكر الوهابي الأصلي يحمل مبدأين هامين هما: قبول شرعية الحاكم ووجوب طاعته في شؤون السلطة والحكم، واعتماد المصلحة الجماعية في صلب التشريع وتقديرها بالتأويل العقلي السليم الذي لا يمكن أن يصادم صحيح النقل حسب عبارات ابن تيمية.
إن هذين المبدأين وإن كانا في خلفياتهما البعيدة يرجعان إلى العصور الوسطى، إلا أنهما قابلان للتأقلم والتكيف مع المرجعيات الحديثة وفق فكرة الشرعية السيادية التامة للدولة وفكرة التلاؤم مع منطق العصر وأولوياته باعتبار مقاصد الشرع العليا ومصالح الأمة القطعية.
وهكذا ندرك الخطر الذي أنجر عن تطعيم الدعوة السلفية بالفكر الإخواني الذي أحدث قطيعة كبرى في التصور السياسي للدولة من خلال مفهوم الحاكمية الإلهية كما طرحه المودودي وسيد قطب وهو ما أدى إلى منازعة ولاة الأمر الشرعية وبرر التمرد على الدولة والخروج عليها، بما يتعارض مع أحكام الفقه الإسلامي في طاعة ولاة الأمر كما يتعارض مع مبدأ شرعية وسيادة الدولة في الفكر الحديث.
وبالإضافة إلى هذا الاختلال الخطير في التصور السياسي، ألغى الفكر الإخواني مبدأ الحيوية الاجتهادية في الدعوة السلفية فأصبح النص في حرفيته نمطا من المرجعية الأيديولوجية بدلا من فهمه في ضوء الواقع والمصلحة.
إن ما نعيشه راهناً ليس كما يقول أعداء بلادنا تخلياً عن ثوابت الدولة الكبرى في المرجعية الإسلامية الإصلاحية، بل هو العودة إلى هذا المنبع الأصلي وتحريره من شوائب الأيديولوجيا الإخوانية، من أجل الحفاظ على جذوة الاجتهاد والتجدد التي قام عليها النموذج السعودي منذ أصوله الأولى.
لقد أردت الرجوع للموضوع، بعد أن اطلعت على مقالة قديمة لعميد الأدب العربي طه حسين كتبها في مجلة «الهلال» المصرية في مارس 1933 يتحدث فيها عن الفكر الوهابي بالقول:
«إنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي خالصاً لله وحده، ملغياً كل واسطة بين الله وبين الناس، هو إحياء للإسلام العربي وتطهير له مما أصابه من نتائج الجهل ومن نتائج الاختلاط بغير العرب...
الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب، وقد كان هذا الأثر عظيماً خطيراً من نواحٍ مُختلفة، فهو أيقظ النفس العربية ووضع أمامها مثلاً أعلى أحبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم والسنان، وهو قد لفت المسلمين جميعاً وأهل العراق والشام ومصر بنوع خاص إلى جزيرة العرب».
ما تعكسه مقالة طه حسين هو صورة الدعوة الوهابية المشرقة لدى مفكري الإصلاح والتحديث العرب، الذين أبرزوا جوانب أربعة هامة في هذه الدعوة: محاربة الجمود والانغلاق، مواجهة الخرافات، تأكيد العلاقة المباشرة بين الله وعباده، الحث على العمل والإنتاجية.
إن هذه المرتكزات الأربعة هي نفسها مقومات الإصلاح الديني في الغرب الحديث الذي فتح باب التنوير والعقلانية والتحرر الفكري، ومن هنا قارن العديد من الدارسين بين الوهابية والبروتستانتية من حيث الخلفيات والتأثير.
وبطبيعة الأمر، كان من الطبيعي والمتوقع أن تتطور الدعوة السلفية الإصلاحية مع تطور الدولة والمجتمع، وذلك ما حدث بالفعل منذ تأسيس الدولة الحديثة مع الملك عبدالعزيز رحمه الله.
والواقع أنه باستثناء شخصيات هامشية لفظتها المؤسسة الدينية ذاتها، لم يكن العلماء الإصلاحيون عقبة أمام مشروع التحديث الذي تبنته الدولة السعودية، ذلك أن الفكر الوهابي الأصلي يحمل مبدأين هامين هما: قبول شرعية الحاكم ووجوب طاعته في شؤون السلطة والحكم، واعتماد المصلحة الجماعية في صلب التشريع وتقديرها بالتأويل العقلي السليم الذي لا يمكن أن يصادم صحيح النقل حسب عبارات ابن تيمية.
إن هذين المبدأين وإن كانا في خلفياتهما البعيدة يرجعان إلى العصور الوسطى، إلا أنهما قابلان للتأقلم والتكيف مع المرجعيات الحديثة وفق فكرة الشرعية السيادية التامة للدولة وفكرة التلاؤم مع منطق العصر وأولوياته باعتبار مقاصد الشرع العليا ومصالح الأمة القطعية.
وهكذا ندرك الخطر الذي أنجر عن تطعيم الدعوة السلفية بالفكر الإخواني الذي أحدث قطيعة كبرى في التصور السياسي للدولة من خلال مفهوم الحاكمية الإلهية كما طرحه المودودي وسيد قطب وهو ما أدى إلى منازعة ولاة الأمر الشرعية وبرر التمرد على الدولة والخروج عليها، بما يتعارض مع أحكام الفقه الإسلامي في طاعة ولاة الأمر كما يتعارض مع مبدأ شرعية وسيادة الدولة في الفكر الحديث.
وبالإضافة إلى هذا الاختلال الخطير في التصور السياسي، ألغى الفكر الإخواني مبدأ الحيوية الاجتهادية في الدعوة السلفية فأصبح النص في حرفيته نمطا من المرجعية الأيديولوجية بدلا من فهمه في ضوء الواقع والمصلحة.
إن ما نعيشه راهناً ليس كما يقول أعداء بلادنا تخلياً عن ثوابت الدولة الكبرى في المرجعية الإسلامية الإصلاحية، بل هو العودة إلى هذا المنبع الأصلي وتحريره من شوائب الأيديولوجيا الإخوانية، من أجل الحفاظ على جذوة الاجتهاد والتجدد التي قام عليها النموذج السعودي منذ أصوله الأولى.