ما زال الانسحاب العسكري الأمريكي المتسرع، وخروج أمريكا (العشوائي) من أفغانستان، موضوعاً يشغل جانباً من الرأي العام، ووسائل الإعلام، وخبراء السياسة، بأمريكا والغرب، وغيرها. فهذا الحدث الهائل يتطلب -لطبيعته، وبالضرورة- توضيح أبعاده، ونتائجه، وتداعياته، على أمريكا والعالم. أبسط ما يمكن قوله الآن عن ذلك الانسحاب، وبعد متابعة أبرز ملامحه، وانتهائه، هو أنه هروب مخزٍ، من مسؤولية كبرى، تجاه الشعب الأفغاني، والدول المهتمة بهذا الشأن. الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وعلى مدى عشرين عاما، كان شيئاً كريهاً، ومرفوضاً، محلياً، وإقليمياً، وعالمياً. وكانت الغالبية تنتظر إنهاءه بسلام. وأمريكا تجاهلت ضرورة «الخروج الحسن»، الذي هو في صلب مسؤولية المحتل، تجاه ضحية الاحتلال. رغم أن البعض لم يستغرب هذه «الفوضى» في الرحيل، آخذاً في الاعتبار بعض سوابق السياسات الأمريكية المشابهة. وكذلك تخبط الأطراف الأفغانية المتنفذة.
هذا الانسحاب كان -وما زال- له عدة أبعاد محلية أفغانية، وإقليمية، وعالمية، لا يجب الاستهانة بها، أو تجاهلها. أحد هذه الأبعاد هو: كيفية الحكم المتوقع لحركة طالبان، إذ يثير الكثير من التساؤلات الهامة والمفصلية. من ذلك: التساؤل عن نظام الحكم الذي سوف تأخذ به هذه الحركة الحزبية «الإسلامية»، وما إذا كان متمشياً مع تعاليم الشريعة الإسلامية الحقة، أم لا. وهل تجوز مقاومة «طالبان»، من قبل الميليشيات الأفغانية، المعارضة لطالبان، وفي مقدمتها: ما كان يعرف بـ«تحالف الشمال»، في ولاية «بانجشير»، بقيادة أحمد مسعود أحمد شاه مسعود؟! ومعروف، أن وادي بانجشير، وحركة أحمد شاه مسعود، الزعيم الأفغاني الشهير، مؤسس تحالف الشمال، في هذا الوادي، قد خضعت، ربما مؤقتا، لحكم طالبان الراهن. وكانت خارج سيطرة طالبان أثناء فترة حكمها السابقة، التي امتدت من عام 1996م، حتى 2001م.
كان أحمد شاه مسعود، والد القائد الحالي أحمد مسعود، مسيطراً على وادي بانجشير. وحارب السوفييت، الذين فشلوا في الهيمنة على هذا الوادي، بسبب طبيعته الجبلية الصعبة. ولكنهم أمطروه بقنابلهم من الجو. وعندما استولت طالبان (ذات الغالبية البشتونية) على السلطة في أفغانستان عام 1996م، لم تستطع دخول هذا الوادي، رغم أن تنظيم «القاعدة»، حليف طالبان آنئذ، تمكن من اغتيال أحمد شاه مسعود، بتاريخ 9/9/2001م. ويظل «تحالف الشمال» (ذو الغالبية الطاجيكية) هذا أقوى الجماعات الأفغانية المعارضة لطالبان. ويعتبر الآن معقل المعارضة الأقوى ضد طالبان، رغم التوافق العابر الحالي.
****
ورغم قيام طالبان بإجراء مفاوضات مع بقية الفرقاء الأفغان هدفها تشكيل حكومة ائتلافية (انتقالية، كما حصل فعلا) إلا أن الفوارق العقائدية، والسياسية، بين طالبان من جهة، والقوى الأفغانية الكبيرة الأخرى، وفي مقدمتها ميليشيا مسعود، أفشلت هذه المحاولات. وبالتالي، استأثرت طالبان بمعظم المناصب الحكومية، وانفردت (تقريباً) بالهيمنة على السلطة الأفغانية العليا، المؤقتة. ويتوقع البعض أن تعيد طالبان صياغة النظام السياسي الأفغاني، وتحدثه. وذلك، عبر صياغة: دستور معتدل جديد، تجري بموجبه انتخابات تشريعية ورئاسية حرة.. ينتخب فيها من يتم اختياره من قبل الشعب الأفغاني، وهو المسار الأصح، والضامن للاستقرار، في المدى الطويل.
إن انفراد طالبان بمعظم السلطة الأفغانية، ورفض غالبية الشعب الأفغاني، ومعظم دول العالم لذلك، يمهد الطريق لصراعات لا نهاية لها، ولحروب أهلية أفغانية جديدة، ولتدخلات دولية أكثر إيلاماً في الشأن الأفغاني؛ أي أنه يؤدي لاستمرار دولة أفغانستان على الصفيح الساخن، وتواصل معاناة شعبها من الاضطرابات وعدم الاستقرار. وبالطبع، فإن الحكومة التي تم تشكيلها، ما هي الا حكومة مؤقتة، أو انتقالية.. ويجب أن تعمل على مراجعة الدستور الافغاني، ومن ثم الشروع في إجراء انتخابات تشريعية، ورئاسية، ليقول الشعب الأفغاني كلمته. وربما يشكل مجلس قيادي، من طالبان، وغيرهم، للإشراف على الفترة الانتقالية، التي ينبغي ألا تزيد عن سنتين. ومن ثم الانتقال السليم إلى الحالة الطبيعية. ويجب أن تحول كل الميليشيات الأفغانية الى «أحزاب» سياسية.. تنزع أسلحتها، وتتنافس للوصول إلى السلطة سلماً، وحسب إرادة الشعب الأفغاني، الذي عانى الكثير، وآن أوان منحه الحياة الطبيعية الآمنة من جديد.
****
ويبدو أن ذلك لن يتم إلا بوساطة دولية، أو إسلامية، مناسبة. وقد عقدت «منظمة التعاون الإسلامي»، يوم 19/12/2021م، اجتماعاً استثنائياً، في العاصمة الباكستانية، على مستوى وزراء الخارجية، خصص لمعالجة الأزمة الإنسانية بأفغانستان. وتمخض الاجتماع عن تعهد أعضاء هذه المنظمة بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، للشعب الافغاني. وحبذا لو يتبع ذلك تقديم المساعدة السياسية اللازمة، لهذا البلد المنكوب.
والواقع، أن إعلان طالبان بأنها تريد إقامة «نظام سياسي إسلامي» يثير بعضاً من أهم التساؤلات العقائدية - السياسية - الفكرية، التي تشغل المنطقة، والعالم، ولا تجد، في الغالب، جواباً مقنعاً وحقيقياً عليها. وتلك قضية فكرية كبرى، ما زال بعض المفكرين يبحثون فيها، منذ قرون عدة.
ومما يبعث على التفاؤل، اعتراف حركة طالبان مؤخراً، على لسان وزير خارجيتها في الحكومة المؤقتة، أمير خان متقي، بأنها: ارتكبت أخطاء في بداية توليها السلطة، في أغسطس 2021م. ووعدت بتلافي هذه الأخطاء، وعمل ما تريده غالبية الشعب الأفغاني، والمجتمع الدولي، وخاصة نبذ الإرهاب، وعدم السماح باستضافة أي جماعة إرهابية. إضافة لعدم فرض قيود على تعليم الفتيات، وعمل النساء، والسعي لإقامة علاقات طيبة وطبيعية، مع جميع الدول.
هذا الانسحاب كان -وما زال- له عدة أبعاد محلية أفغانية، وإقليمية، وعالمية، لا يجب الاستهانة بها، أو تجاهلها. أحد هذه الأبعاد هو: كيفية الحكم المتوقع لحركة طالبان، إذ يثير الكثير من التساؤلات الهامة والمفصلية. من ذلك: التساؤل عن نظام الحكم الذي سوف تأخذ به هذه الحركة الحزبية «الإسلامية»، وما إذا كان متمشياً مع تعاليم الشريعة الإسلامية الحقة، أم لا. وهل تجوز مقاومة «طالبان»، من قبل الميليشيات الأفغانية، المعارضة لطالبان، وفي مقدمتها: ما كان يعرف بـ«تحالف الشمال»، في ولاية «بانجشير»، بقيادة أحمد مسعود أحمد شاه مسعود؟! ومعروف، أن وادي بانجشير، وحركة أحمد شاه مسعود، الزعيم الأفغاني الشهير، مؤسس تحالف الشمال، في هذا الوادي، قد خضعت، ربما مؤقتا، لحكم طالبان الراهن. وكانت خارج سيطرة طالبان أثناء فترة حكمها السابقة، التي امتدت من عام 1996م، حتى 2001م.
كان أحمد شاه مسعود، والد القائد الحالي أحمد مسعود، مسيطراً على وادي بانجشير. وحارب السوفييت، الذين فشلوا في الهيمنة على هذا الوادي، بسبب طبيعته الجبلية الصعبة. ولكنهم أمطروه بقنابلهم من الجو. وعندما استولت طالبان (ذات الغالبية البشتونية) على السلطة في أفغانستان عام 1996م، لم تستطع دخول هذا الوادي، رغم أن تنظيم «القاعدة»، حليف طالبان آنئذ، تمكن من اغتيال أحمد شاه مسعود، بتاريخ 9/9/2001م. ويظل «تحالف الشمال» (ذو الغالبية الطاجيكية) هذا أقوى الجماعات الأفغانية المعارضة لطالبان. ويعتبر الآن معقل المعارضة الأقوى ضد طالبان، رغم التوافق العابر الحالي.
****
ورغم قيام طالبان بإجراء مفاوضات مع بقية الفرقاء الأفغان هدفها تشكيل حكومة ائتلافية (انتقالية، كما حصل فعلا) إلا أن الفوارق العقائدية، والسياسية، بين طالبان من جهة، والقوى الأفغانية الكبيرة الأخرى، وفي مقدمتها ميليشيا مسعود، أفشلت هذه المحاولات. وبالتالي، استأثرت طالبان بمعظم المناصب الحكومية، وانفردت (تقريباً) بالهيمنة على السلطة الأفغانية العليا، المؤقتة. ويتوقع البعض أن تعيد طالبان صياغة النظام السياسي الأفغاني، وتحدثه. وذلك، عبر صياغة: دستور معتدل جديد، تجري بموجبه انتخابات تشريعية ورئاسية حرة.. ينتخب فيها من يتم اختياره من قبل الشعب الأفغاني، وهو المسار الأصح، والضامن للاستقرار، في المدى الطويل.
إن انفراد طالبان بمعظم السلطة الأفغانية، ورفض غالبية الشعب الأفغاني، ومعظم دول العالم لذلك، يمهد الطريق لصراعات لا نهاية لها، ولحروب أهلية أفغانية جديدة، ولتدخلات دولية أكثر إيلاماً في الشأن الأفغاني؛ أي أنه يؤدي لاستمرار دولة أفغانستان على الصفيح الساخن، وتواصل معاناة شعبها من الاضطرابات وعدم الاستقرار. وبالطبع، فإن الحكومة التي تم تشكيلها، ما هي الا حكومة مؤقتة، أو انتقالية.. ويجب أن تعمل على مراجعة الدستور الافغاني، ومن ثم الشروع في إجراء انتخابات تشريعية، ورئاسية، ليقول الشعب الأفغاني كلمته. وربما يشكل مجلس قيادي، من طالبان، وغيرهم، للإشراف على الفترة الانتقالية، التي ينبغي ألا تزيد عن سنتين. ومن ثم الانتقال السليم إلى الحالة الطبيعية. ويجب أن تحول كل الميليشيات الأفغانية الى «أحزاب» سياسية.. تنزع أسلحتها، وتتنافس للوصول إلى السلطة سلماً، وحسب إرادة الشعب الأفغاني، الذي عانى الكثير، وآن أوان منحه الحياة الطبيعية الآمنة من جديد.
****
ويبدو أن ذلك لن يتم إلا بوساطة دولية، أو إسلامية، مناسبة. وقد عقدت «منظمة التعاون الإسلامي»، يوم 19/12/2021م، اجتماعاً استثنائياً، في العاصمة الباكستانية، على مستوى وزراء الخارجية، خصص لمعالجة الأزمة الإنسانية بأفغانستان. وتمخض الاجتماع عن تعهد أعضاء هذه المنظمة بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، للشعب الافغاني. وحبذا لو يتبع ذلك تقديم المساعدة السياسية اللازمة، لهذا البلد المنكوب.
والواقع، أن إعلان طالبان بأنها تريد إقامة «نظام سياسي إسلامي» يثير بعضاً من أهم التساؤلات العقائدية - السياسية - الفكرية، التي تشغل المنطقة، والعالم، ولا تجد، في الغالب، جواباً مقنعاً وحقيقياً عليها. وتلك قضية فكرية كبرى، ما زال بعض المفكرين يبحثون فيها، منذ قرون عدة.
ومما يبعث على التفاؤل، اعتراف حركة طالبان مؤخراً، على لسان وزير خارجيتها في الحكومة المؤقتة، أمير خان متقي، بأنها: ارتكبت أخطاء في بداية توليها السلطة، في أغسطس 2021م. ووعدت بتلافي هذه الأخطاء، وعمل ما تريده غالبية الشعب الأفغاني، والمجتمع الدولي، وخاصة نبذ الإرهاب، وعدم السماح باستضافة أي جماعة إرهابية. إضافة لعدم فرض قيود على تعليم الفتيات، وعمل النساء، والسعي لإقامة علاقات طيبة وطبيعية، مع جميع الدول.