-A +A
عقل العقل
أمريكا ومنذ إدارة الرئيس ترمب تعيش حالة من «الرهاب الصيني»، إدارة ترمب وضعت القيود على الشركات والتطبيقات الصينية على الأراضي الأمريكية، وكانت العلاقة الأمريكية - الصينية مرشحة للتصعيد، وعند فوز الديمقراطيين بالانتخابات الأمريكية اعتقد البعض أن العلاقة بين واشنطن وبكين سوف تعود إلى مرحلة التبريد والمصالح المتبادلة، ولكن يبدو أنها إستراتيجية أمريكية بغض النظر عمن هو الرئيس الأمريكي ترمب أو بايدن.

الغريب أن أمريكا وفي السنوات الماضية تعلن وبشكل متكرر أنها سوف تسحب قواتها من حروب تستنزفها سواء من أفغانستان أو العراق أو الشرق الأوسط بشكل عام، مثل سحب بعض أسلحتها الإستراتيجية وجنودها من منطقة الخليج العربي، كل هذا التموضع الأمريكي الحالي تسبب في إشكالات أمنية وعسكرية على مستوى الإقليم الشرق أوسطي، الآلة الإعلامية والسياسة الأمريكية ومنذ سنوات تردد أن المصالح الأمريكية الإستراتيجية تتمحور في جنوب شرق آسيا، أي أن أمريكا ترى أن الصين بالفعل هي المهدد الرئيس لزعاماتها للعالم اقتصاديا وعسكريا.


التاريخ يقول لنا إن الإمبراطوريات وإن بدأت بالتوسع خارج حدودها اقتصاديا فلا مفر من قوات عسكرية تحمي تلك المصالح الاقتصادية، وقد تكون الصين مبدعة في الهيمنة الاقتصادية لفترة طويلة ليس فقط في مناطق النفوذ الاستعماري التقليدية، بل داخل تلك الدول المنافسة لها كما هي الصناعات الصينية في الأسواق الأمريكية.

في ظل هذه الظروف المعقدة تم تسريب معلومات عن أن السعودية تعمل على تطوير قدراتها الصاروخية الإستراتيجية بالتعاون مع الصين في تطوير هذه الأسلحة النوعية، والمملكة قد أكدت على تطوير صناعاتها العسكرية من ضمن رؤية 2030، ما يلفت الانتباه في موضوع الصواريخ البالستية التي تتعاون الرياض مع بكين في تطويرها تأتي في ظروف حساسة في قضية الملف النووي الإيراني واستماتة إيران في الرجوع إلى اتفاق 2015 دون تضمين الاتفاق المقبل الوشيك مع الغرب قدرات إيران الصاروخية البالستية وقضية تدخلاتها الإرهابية في المنطقة، لا شك أن المطالب الخليجية وخاصة السعودية المتكررة بأن تشارك في محادثات الملف النووي الإيراني لم تجد إجابة من قبل تلك القوى الغربية، مثل هذه الظروف والقراءة الاستشرافية لمستقبل المنطقة سيدفع قوى إقليمية في الشرق الأوسط للدخول في هذه الصناعات العسكرية المتطورة، وقد نسمع عن مشاريع عسكرية ذات قدرات نووية، فالقضية هي قضية توازن في الردع، فتخيل مثلا إيران هذا النظام الإرهابي يملك أسلحة نووية ذات تدمير شامل فكيف ستكون تصرفاتها وسياساته في المنطقة.

قضية أن لا يكون هناك سباق تسلح في المنطقة فهذا الأمر يحتاج إلى سياسة أمريكية حازمة بالذات تجاه النظام الإيراني وغيره في المنطقة، وليس إلى مناكفات مع الحلفاء الإقليميين في المنطقة وتظل مسألة تطوير صناعة الأسلحة الإستراتيجية مسألة سيادية لأي دولة ومنها المملكة، خاصة إذا كانت تلك البرامج تأتي ملتزمة بالاتفاقيات الدولية المنظمة لهذا المجال.

ما يشهده العالم الآن من تغيرات في موازين القوى يذكرنا بما مر به العالم بعد الحرب العالمية الأولى وانتهاء حقبة لقوى استعمارية كانت تهيمن عليها فرنسا وبريطانيا وحقبة عثمانية. المؤسس الملك عبدالعزيز وفي مشروعه العظيم في توحيد وبناء هذه الدولة الفتية راهن على علاقاته الإستراتيجية مع واشنطن، رغم أن بريطانيا هي التي كانت مهيمنة على المنطقة بشكل كبير، العلاقات وتنوع التحالفات وخاصة العسكرية تحتاج لقيادة شجاعة تمتلك الرؤية الاستشرافية لمصالح وطنها أولاً.