أعتقد لو تم إجراء إحصائية بمجتمعنا عن أكبر سبب لتقطع صلة الأرحام وتحول الأهل لأعداء والإصابة بالوسواس القهري تجاههم فسيكون زيارة أحد ممتهني ما يزعمون أنها «رقية شرعية»؛ فأوسع أضرار سوء استغلال مفهوم الرقية هو أن مدعي الرقية، ليضمنوا زبوناً دائماً، يزعمون أنه مسحور من أهله، مع أن مجرد احتراف شخص لقراءة القرآن لا يمنحه قدرة خارقة على «الإدراك فوق الحسي/ الميتافيزيقي» بشكل يمكنه من معرفة إن كان الشخص فيه سحر وعين ومن أوقعها عليه، فحتى بقصة سحر النبي الواردة بالصحيحين فإن النبي لم يعرف أنه تعرض للسحر ومن سحره حتى جاءته الملائكة وأعلمته، فكيف يكون لشخص عادي قدرة ميتافيزيقية على معرفة أن الشخص معيون ومسحور ومن سحره ولم تكن للنبي؟! وتتضاعف الخسائر بأن الراقي يطلب من الزبون جلب الهدايا التي تلقاها من أهله ليفحصها وهي ثمينة فيزعم الراقي أنها مسحورة ويجب أن يتركها الزبون له ليوزعها كصدقة لكي لا يتضرر «المسحور» منها، لكن لماذا لا يقرأ عليها ويزيل منها السحر ويرجعها للزبون؟! ولذا هناك حاجة لقرار بمنع بدعة ادعاء معرفة إن كان الشخص مسحوراً ومعيوناً وزعم معرفة من أوقع عليه هذا، وعموما هناك وسائل تكنولوجية يمكن بها اكتشاف إن كان الشخص يعاني من أي عنصر ميتافيزيقي كالسحر والجن والشياطين ويستخدمها الغربيون كأفراد وأيضاً بجمعيات وبرامج التحقيقات الميتافيزيقية، وهناك برامج تلفزيونية غربية تجمع ما يسجله الناس بالأجهزة من أدلة بتحقيقاتهم بالأحداث الميتافيزيقية كبرنامج «My Ghost Story»، وتعرف التحقيقات الميتافيزيقية باسم «ترصد الأشباح-Ghost hunting» وأبسط أجهزة رصدها ومتوفر بالأسواق هو المسجل الرقمي العادي، فهو يسجل أصواتا غير مسموعة بالأذن، والشخص يطرح سؤالا ويصمت متيحاً للكيان الميتافيزيقي المفترض الإجابة، وعندما يعيد سماع التسجيل إن كان هناك كيان ميتافيزيقي مرتبط بسحر أو مس أو يسكن المكان فسيسمع رده، وبمصطلحات أهل المهنة تسمى الأصوات الميتافيزيقية المسجلة «EVPs» وإن كانت بلغة بشرية فهي روح ميت، وإن كانت صوتاً حيوانياً يكون جناً، وهناك أجهزة أكثر تخصصا تباع عبر الإنترنت كجهاز «Puck-Ovilus»، حيث يمكن للكيانات عبر الطاقة الكهرومغناطيسية اختيار كلمات من قاموس الجهاز للرد، ومولدات «الضوضاء البيضاء-White noise/Spirit Box» وهي موجات كالراديو يمكن للكيانات استخدامها للتحدث وأرواح المتوفين يبقى لهم ذات صوتهم بالدنيا، وكاميرا تجسد بهيئة بشرية تجريدية الكيان الميتافيزيقي برصد تغيرات مؤشرات البيئة ضمن حقل ليزر «Xcam SLS»، بالإضافة لأجهزة قياس التغيرات بالكهرومغناطيسية والحرارة، ومستشعرات الحركة الفوق صوتية ودون الحمراء، والكاميرات التي تصور أطياف الرؤية التي لا تبصرها العين؛ ككاميرا الأشعة تحت الحمراء، والطيف الكامل، وكاميرا الرؤية الليلة، وإن كان هناك كيان ميتافيزيقي سيظهر بالصور ككرة نورانية أو ظل مظلم أو أبيض شفاف سريع الحركة ونادرا بصورة إنسان، وبالكاميرا الحرارية يكشف الكيان الميتافيزيقي بشدة برودته أو شدة حرارته، فقد آن الأوان للتعامل العلمي مع الظواهر الميتافيزيقية بشكل ينهي الاستغلال السائد بالممارسات الشعبية، والتكنولوجيا توفر وسيلة الكشف، والعلاج بالقرآن والتعوذ بالله وليس بالرقاة، والأفضل أن يقوم به الإنسان بنفسه، بالصحيحين: (يدخل الجنة.. سبعون ألفا بغير حساب.. هم الذين..لا يكتوون، ولا يسترقون). «لا يسترقون»: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم. ونذكر الشهادة المصورة لأشهر راقٍ شرعي سعودي الشيخ «علي العمري» قال إن جميع من راجعوه كانوا متوهمين وضرب مثلاً بتجربة أجراها على أمية أضاعت عقدين من عمرها تتنقل بين الرقاة بسبب مزاعمهم لها، فقرأ عليها أبيات شعر بنمط ترتيل القرآن فبدأت تصيح وتنصرع ويتكلم جني على لسانها بأن يتوقف عن إحراقه بالقرآن. وبالطب هناك ظاهرة طبية تسمى «بلاسيبو/ تأثير الإيحاء الإيجابي-Placebo» و«هيئة الدواء والغذاء الأمريكية» تشترط لمنح إجازة لأي عقار أن تجرى عليه تجارب بلاسيبو، أي تعطى لمجموعة من المتطوعين حبوب ليس فيها العقار، والمجموعة الثانية تعطى حبوباً تتضمن العقار لأن العلماء توصلوا لأن مجرد اعتقاد الإنسان أن الشيء سينفعه فهذا يحدث النفع لديه ولو كان لا يحوي أي مادة نافعة، وغالبا تكون النتائج متقاربة بين المجموعتين، بالمثل أثر «نوسيبو/ تأثير الإيحاء السلبي-Nocebo» وهو أن يتضرر الإنسان من شيء لاعتقاده بأنه ضار وإن كان فعلياً لا ضرر له.