لأن هناك من لا يقدر الأهمية الجذرية للخيال وأنه سبب تطور الأمم يجب البدء باقتباسات من رمز العبقرية العلمية العالم (اينشتاين) الذي توصل لأعقد نظرية فيزيائية وفلكية رائدة دون الاستعانة بأي أجهزة علمية؛ لأنه أثناء عمله عليها كان مجرد موظف بسيط بمكتب تسجيل الاختراعات ولذا اعتمد بشكل أساسي على خياله لتصور آليات عمل القوانين الفيزيائية، ولولا الإثبات الرياضي لها لما قبلت وبقي هناك معارضون لها لأنه اعتمد على خياله وليس على الأجهزة بالافتراضات التي بناها عليها حتى قام علماء آخرون باستخدام الأجهزة الفلكية لاحقا لرصد الظواهر التي افترضها بنظريته وأثبتوا صحتها، ولذا أي قول لأينشتاين عن الخيال له مصداقية مضاعفة ومن أقواله: «الخيال أهم من المعرفة، المعرفة محدودة، والخيال يمكنه الإحاطة بكل العالم»، «التفكير الواقعي يأخذك من النقطة ألف إلى النقطة باء، لكن الخيال سيأخذك إلى كل مكان»، «الخيال هو كل شيء، إنه استشراف للأحداث القادمة بالحياة»، «علامة الذكاء الحقيقية ليست المعرفة إنما الخيال»، «موهبة الخيال كانت أنفع بالنسبة لي من موهبتي بالاستيعاب السريع للعلم، أنا لم أقم بأي من اكتشافاتي عبر التفكير الواقعي». فالخيال أشبه بآلة «الواقع الافتراضي» التي تمكن الإنسان من تصور وتجسيد الأفكار المادية والمعنوية فيها أولاً كمرحلة مؤسسة لتجسيدها لاحقا على أرض الواقع، لكن لو نظرنا لواقع العلوم الدينية والعلوم التجريبية والتطبيقية والفنون والآداب والمواد الترفيهية وهندسة المباني والمدن وتأليف الكتب والإدارة عند العرب لوجدنا غيابا كاملا لعنصر الخيال فالعرب يعانون من الافتقار الكامل للخيال؛ ولذا يبدو الواقع العربي عقيما وغير قابل للنمو والتطور والتجدد والإخصاب والإنتاج الخلاق وبناء تصور ملهم للمستقبل حتى عند تلاقحه مع الحضارات الأخرى عبر الابتعاث والانفتاح، فما أسباب افتقار العرب للخيال؟ يمكن معرفة الأسباب بمقارنة حاضنة الإنسان العربي بحاضنة الإنسان الغربي، فالعربي يربى بالتحجير منذ طفولته والخيال أشبه بعضلة لا تنمو وتتقوى إلا بالتمرين المستمر وإلا ستضمر وتذوي، وهذه العضلة هي خريطة عمل الدماغ وشبكاته العصبية المتعلقة بالتخيل، وتتم قولبة العربي داخل صندوق أن النمط الوحيد الصحيح هو اتباع التقليدي والسائد واللاوعي الجماعي «عقلية القطيع» وأهواء من فوقه بالتراتبية، ويعاقب على أي أنماط تدل على الاستقلال بالوعي والتصورات والإرادة، والخيال لا ينشأ إلا في رحم الاستقلالية الكاملة ودونها لن يوجد خيال بأي مجال، وطالما لا يوجد خيال سيبقى العرب متخلفين وعقيمين بكل المجالات لا ينتجون شيئا خلاقا جديدا للعالم يمنحهم الشعور بالرضا عن الذات والفخر فيحاول «غرور الأنا» لديهم تعويض الشعور بالدونية/ النقص مقابل الأمم الأخرى الخصبة الإنتاج الخلاقة بتكبر حمية العصبيات الذكورية والدينية والقومية والجغرافية والقبلية والعنصرية التي توهم أصحابها أنهم أفضل من غيرهم فقط بحكم عنصرهم الذي ولدوا به، بينما فخر الأمم الأخرى إنجازاتهم الخلاقة أما العقيمون الذين لا ينتجون شيئا ليس لهم إلا تسكيت جوع ونواح «غرور الأنا» الفردي والجماعي بأفيون الفخر بعنصرهم وبالماضي والتاريخ المضخم المزين بشكل طوباوي غير واقعي، وهذا النمط يزيد من غرق العرب بالرمال المتحركة لواقعهم الذي لا يسير إلا من سيئ لأسوأ، فمنذ مئة عام لا يزال العرب يعيشون ذات الواقع بلا أدنى تغير وتطور إنما تكرار واجترار وتدهور تراكمي مستمر، فالدول العربية العالقة منذ عقد بحروب أهلية لا تعيش واقعا مستجدا فالعرب طوال المئة عام الماضية عاشوا حروبا أهلية، وحتى عندما تتوقف الحرب الأهلية في بلد فهذا لا يعني أن الأمور تصبح أفضل فيه كما هو الحال في لبنان الذي يعاني انهيارا تراكميا شاملا ولا ضوء بنهاية النفق لأن صناع الواقع والمستقبل هم أنفسهم صناع الحرب الذين كانوا مفتقرين للخيال اللازم للتوصل لحلول متحضرة خلاقة غير تلك الغرائزية أي العنف والحرب، هل تخيلوا كيف ستصبح البلد أثناء وبعد الحرب الأهلية؟ هل تخيلوا كيف سينجح من قتلوا الشعب بالعمل على رفاه الشعب بعد انتهاء الحرب؟ هذا الخيال يولد بصيرة الحكمة والرشد الذي يجنب الإنسان الأخطاء الكارثية؛ فلو تخيلت الجماعات الإرهابية ردة فعل المجتمعات والحكومات على عملياتهم لما قاموا بها، ولا يوجد شيء أضر ونكب الإسلام والمسلمين من كل وجه كالإرهاب، فالافتقار للخيال جعل العرب مفتقرين للحكمة والرشد وعاجزين عن خلق حاضر ومستقبل جديد أفضل بكل المجالات.