-A +A
أنمار مطاوع
مفهوم النظر للحياة وطبيعتها القاسية.. بآلية التعامل مع أحداثها اليومية على أنها متلازمة الدنيا.. هو محور (النضح) الإنساني. فالدنيا هي دار المعاناة.. مما يعني أن المعاناة.. حتمية.

يقول الله سبحانه وتعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا..).. أي مسّهم الفقر والخوف.. وأنواع المكاره الدنيوية المختلفة التي تنغص على المرء حياته. وفي موقع آخر يقول عز وجل: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)؛ وأشد الفتنة.. اختبارات مكاره الدنيا.


لهذا، الصبر على المكاره وتحمل مشاقها.. يعتبر مساحة ضيقة يتحرك داخلها العقل الإنساني. فالعقل الواعي يتعامل مع المشاكل اليومية على أنها تجربة حياة.. دائما يفكر (كيف أحل المشكلة؟). هذا التفكير، يُعطي لتحديات الدنيا وصعوباتها ومعوقاتها معنى آخر.. (لماذا حدثت؟) و(ماذا سأستفيد من آلية حلها؟). العقل الواعي يعطي السلبيات -أيا كان نوعها- بُعد (التجربة الناجحة)، لمعرفته أن الهروب من مواجهة السلبيات أو تركها للآخرين لحلها هو أشبه بمحاولة بائسة لتفاديها، ومعرفته أيضا أن إظهار العجز وقلة الحيلة ليس حلا.. ولن يجلب سوى البؤس.. والأحزان.

التعامل مع المشاكل الحياتية لن يكون (تجربة ناجحة) إلا بالنظر إليها على أنها مسؤولية شخصية ويجب حلها ذاتياً.. هذا هو طريق بناء التجربة الإنسانية الناضجة. يشير علماء تطوير الذات إلى أن (السعادة تكمن في حل المشاكل والخروج الأمثل من المواقف الصعبة التي يمر بها الإنسان). ويفترضون فرضية: ماذا لو كان للفرد حرية اختيار مشاكله الحتمية.. كيف سيتعامل معها؟ بتذمر أم برغبة في حلها؟. تحت هذه الفكرة، سيجد الإنسان أن منغصات الحياة أصبحت أقل قوة وأكثر قابلية للاحتواء والسيطرة.

فكما أن الاهتمام بالأمور الصغيرة المزعجة يدل على أن ليس لدى الفرد ما يستحق الاهتمام في حياته.. لذلك ينزلق فكره في الأمور الصغيرة والتافهة وتصبح هي محور حياته، أيضاً في المقابل، عدم الاهتمام بالملاحظات والتفاصيل الصغيرة التي تواجهه من الآخرين أو من الدنيا.. هو دلالة (النضج).

النضج طريقة تفكير تهتم بـ(أن لا يعيش الإنسان حاضره مستغرقاً في النّدم على الماضي وأخطائه.. مع الالتزام بكل جدية ألا يُكرر تلك الأخطاء مرة أخرى).

العام الجديد بكل ما سبقه من أفراح وأتراح الماضي القريب والبعيد.. يجب أن يُعامل معاملة (عام جديد) بمفهوم جديد.. هو يستحق ذلك.

المقصود بالمفهوم الجديد؛ إلغاء فكرة أن (التجارب الإيجابية هي وحدها صانعة السعادة).. فالسعادة لا تصنعها التجارب الإيجابية فقط.. ولكنها تحتاج أيضاً إلى التجارب السلبية؛ شريطة ألا تكون مصدراً للتذمر والندم.. بل مصدراً للتعلم.. وحافزاً لعدم تكرارها.. هذا هو الحد المسموح لها أن تصل إليه.. فإضاءة النفس تأتي من الوعد بعدم تكرار الخطأ.

من أهم أولويات التطوير في عام 2022: (تنمية القدرة على البحث عن حلول للمشاكل التي تواجه الفرد.. والتعامل معها على أنها خطوة نحو النمو).

التعامل الإيجابي مع السلبيات (.. يرفع من معدل تقدير الذات) كما يقول المختصون. هذا الارتفاع هو محور مصطلح (السعادة).. فحين يقدّر الفرد ذاته.. بماضيه وحاضره.. تضيء في قلبه ومضة السعادة.