كتب الأستاذ مشعل السديري في الشرق الأوسط (هناك عادة تتمسك بها قبيلة بني ثابت في محافظة النماص بالسعودية، حيث تقوم بتزويج بناتها بمهر قدره (ريالان فقط) تطبيقاً لسنة النبي الكريم ورأفة بالشباب ومساعدة لهم، ويرى شيوخهم أن هذا لا يعد بخلاً أو فقراً وإنما موروث لمئات الأعوام).
لو كان هناك شيء يستحق الرأفة بالمقبلين على الزواج ومساعدتهم لبدء حياة سعيدة خالية من الكوابيس، أن يسعى أهالي العروسين في التخفيف من الفعاليات المصاحبة للفرح، وفيها إسراف ممقوت ومبالغة في استئجار قاعات الأفراح بمئات الألوف من الريالات، وبوفيهات تكفي لإطعام مئات المساكين والفقراء وكسوتهم، ومسميات تمر بها مسيرة الزواج قبل الارتباط النهائي تبدأ (بالشوفة)، (الخطبة)، (الشبكة)، (عقد القران)، (الغمرة)، (الدخلة)، وتنتهي (بالصبحة)، تقدم فيها الهدايا القيمة مصحوبة بعشاء كامل الدسم للسيدات والرجال في كل مرة.
في ليلة (الدخلة) طقاقة وفرقتها، بوفيه بنكهات العالم، غير المقبلات على الطاولات وتباسي المباشرين، تدور على المعازيم شكولاتة وحلويات شعبية، وكوشة على شارعين، وحديقة لجلوس العروسين، وورود وشموع وطائرة (درون) داخل القاعة للتصوير. غير عشاء الرجال، وفرق شعبية تصرخ وتخبط وترقع، ومنشدين يصرخون بجمل وعبارات وأشعار فاقت ما قاله أبو العتاهية في المديح.
أما المهر فهو مظلوم بين كل هذه المظاهر المزيفة، فهو واجب شرعاً في عقد النكاح ويسمى بالصداق لإشعاره بصدق رغبة الرجل في النكاح.
ومن أسمائه النِحلة، والفريضة، والطول، لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولاً)، وقوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة). والنحلة تعني الهبة وجعل الصداق للمرأة عطية بغير عوض، يروى عن نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم) أن ابن عوف قال: إني تزوجت، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما أصدقتها؟ فقال: وزن نواة ذهب، فقال المصطفى: بارك الله لك، أولم ولو بشاة.
فلا يجوز عقد النكاح إلا بالمهر لقوله تعالى: (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)، ويكون باتفاق الزوجين على مقداره في عقد النكاح، وإن لم يذكراه في العقد، فيكون الواجب مهر المثل. فلا يملك الزوجان إنكاره، وفي هذا دلالة على أن في المهر حقاً لله لا يملكان إسقاطه.
وقد اشترط بعض الفقهاء وجود حد أدنى للمهر لا يجوز النزول عنه، فإذا عقد النكاح على مهر أقل، زيد ليبلغ الحد الأعلى. والمهر من حق الزوجة، وهو شُرع لإظهار شرف حمل هذا العقد، فهو لم يشرع بدلاً كالثمن للمبيع أو كالأجرة للمأجور، وقد أمر الله الأزواج أن يتبرعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم هبة عن طيب نفس، وهذا العطاء آية من آيات المحبة وأنه واجب لا تخيير فيه.
اشترط الفقهاء في المهر أن يكون معلوماً ينتفع به، والقدرة على تسليمه، وأن يكون له نصف يتمول منه، بحيث إذا طلقها قبل الدخول بها بقي لها من نصف المهر الذي تستحقه ما لم تنتفع به.
وفي حالة القبول (بريالين) كما يفعل البعض، فماذا يبقى للمرأة لتنتفع به؟
كره الإمام أحمد أن يكون المهر تعليمها القرآن، وحجته أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال تجعل مهراً في عقود النكاح لقوله تعالى: (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)، وقوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات)، والطول هنا المال، ولأن تعليم القرآن يقع قربه لفاعله، فلا يصح أن يكون صداقاً.
حتى عند أبي حنيفة لا يجوز جعل مهرها تعليم القرآن، أو أن يحج عنها، لأنه ليس بمال، فلا يصبح مهراً، ولأن الأجرة لا تستحق على تعليم القرآن كالأذان والإقامة والحج حتى يقال إن المستحق من الأجر بتعليم القرآن هو المهر.
لا يصح تحديد مهر للمرأة لقوله تعالى (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)، فسره القرطبي بأنه دليل على جواز المغالاة في المهور لأن الله لا يمثل إلا بمباح. وقال ابن كثير دلالة على جواز الأصداق بالمال الجزيل، وقال ابن العربي والرازي فيه جواز كثرة الصداق.
ولما نهى عمر عن المغالاة في مهور النساء بقوله لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي، إلا ارتجعت ذلك منها، فقالت له امرأة أنت تقوله برأيك أم سمعته عن رسول الله، فإنا نجد في كتاب الله بخلاف ما تقول، وتلت قوله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا)، فقال: كل الناس أفقه من عمر حتى النساء في البيوت، أصابت امرأة وأخطأ عمر. فلا يصح تحديد المهور لقوله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم)، دون تقييد كلمة بأموالكم فيدخل في مفهومها المال الكثير فيجوز جعله مهراً، فالمهر من حق المرأة، هي من يقرره، ويدخل في ملكها بمجرد العقد عليها. وإن لم يسم مهراً لها فلها مهر المثل إن مات عنها أو دخل بها، وإن اختلفا في تسمية المهر أو مقداره وأقام كل منهما البينة، رجحت بينة المرأة، وحكم القاضي لها، وهذه إحدى الصور المشرقة للمرأة التي يتغافل عنها البعض.
فلا أحد يرخص من ابنته ويقول مهرها ريالان أو عشرة ريالات، أو لا نريد مهراً لها، فكثرة الطلاق أحد أسبابها تساهل الآباء بمهور بناتهم، وعدم تقدير ذلك من الأزواج، يعتبره البعض من باب (ما صدقت على الله).
الزوج ملزوم بالمهر، ملزوم بالصرف عليها، لا تصرف من مهرها، ولا مالها الخاص شيئاً، وعلى الذين يستغلون زوجاتهم مادياً أن يتقوا الله فيهن، وللأستاذ مشعل أقول: طالما أن هناك شرعاً فلا مكان للموروث في حياتنا. فشرع الله أحق أن يتبع.
لو كان هناك شيء يستحق الرأفة بالمقبلين على الزواج ومساعدتهم لبدء حياة سعيدة خالية من الكوابيس، أن يسعى أهالي العروسين في التخفيف من الفعاليات المصاحبة للفرح، وفيها إسراف ممقوت ومبالغة في استئجار قاعات الأفراح بمئات الألوف من الريالات، وبوفيهات تكفي لإطعام مئات المساكين والفقراء وكسوتهم، ومسميات تمر بها مسيرة الزواج قبل الارتباط النهائي تبدأ (بالشوفة)، (الخطبة)، (الشبكة)، (عقد القران)، (الغمرة)، (الدخلة)، وتنتهي (بالصبحة)، تقدم فيها الهدايا القيمة مصحوبة بعشاء كامل الدسم للسيدات والرجال في كل مرة.
في ليلة (الدخلة) طقاقة وفرقتها، بوفيه بنكهات العالم، غير المقبلات على الطاولات وتباسي المباشرين، تدور على المعازيم شكولاتة وحلويات شعبية، وكوشة على شارعين، وحديقة لجلوس العروسين، وورود وشموع وطائرة (درون) داخل القاعة للتصوير. غير عشاء الرجال، وفرق شعبية تصرخ وتخبط وترقع، ومنشدين يصرخون بجمل وعبارات وأشعار فاقت ما قاله أبو العتاهية في المديح.
أما المهر فهو مظلوم بين كل هذه المظاهر المزيفة، فهو واجب شرعاً في عقد النكاح ويسمى بالصداق لإشعاره بصدق رغبة الرجل في النكاح.
ومن أسمائه النِحلة، والفريضة، والطول، لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولاً)، وقوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة). والنحلة تعني الهبة وجعل الصداق للمرأة عطية بغير عوض، يروى عن نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم) أن ابن عوف قال: إني تزوجت، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما أصدقتها؟ فقال: وزن نواة ذهب، فقال المصطفى: بارك الله لك، أولم ولو بشاة.
فلا يجوز عقد النكاح إلا بالمهر لقوله تعالى: (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)، ويكون باتفاق الزوجين على مقداره في عقد النكاح، وإن لم يذكراه في العقد، فيكون الواجب مهر المثل. فلا يملك الزوجان إنكاره، وفي هذا دلالة على أن في المهر حقاً لله لا يملكان إسقاطه.
وقد اشترط بعض الفقهاء وجود حد أدنى للمهر لا يجوز النزول عنه، فإذا عقد النكاح على مهر أقل، زيد ليبلغ الحد الأعلى. والمهر من حق الزوجة، وهو شُرع لإظهار شرف حمل هذا العقد، فهو لم يشرع بدلاً كالثمن للمبيع أو كالأجرة للمأجور، وقد أمر الله الأزواج أن يتبرعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم هبة عن طيب نفس، وهذا العطاء آية من آيات المحبة وأنه واجب لا تخيير فيه.
اشترط الفقهاء في المهر أن يكون معلوماً ينتفع به، والقدرة على تسليمه، وأن يكون له نصف يتمول منه، بحيث إذا طلقها قبل الدخول بها بقي لها من نصف المهر الذي تستحقه ما لم تنتفع به.
وفي حالة القبول (بريالين) كما يفعل البعض، فماذا يبقى للمرأة لتنتفع به؟
كره الإمام أحمد أن يكون المهر تعليمها القرآن، وحجته أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال تجعل مهراً في عقود النكاح لقوله تعالى: (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)، وقوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات)، والطول هنا المال، ولأن تعليم القرآن يقع قربه لفاعله، فلا يصح أن يكون صداقاً.
حتى عند أبي حنيفة لا يجوز جعل مهرها تعليم القرآن، أو أن يحج عنها، لأنه ليس بمال، فلا يصبح مهراً، ولأن الأجرة لا تستحق على تعليم القرآن كالأذان والإقامة والحج حتى يقال إن المستحق من الأجر بتعليم القرآن هو المهر.
لا يصح تحديد مهر للمرأة لقوله تعالى (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)، فسره القرطبي بأنه دليل على جواز المغالاة في المهور لأن الله لا يمثل إلا بمباح. وقال ابن كثير دلالة على جواز الأصداق بالمال الجزيل، وقال ابن العربي والرازي فيه جواز كثرة الصداق.
ولما نهى عمر عن المغالاة في مهور النساء بقوله لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي، إلا ارتجعت ذلك منها، فقالت له امرأة أنت تقوله برأيك أم سمعته عن رسول الله، فإنا نجد في كتاب الله بخلاف ما تقول، وتلت قوله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا)، فقال: كل الناس أفقه من عمر حتى النساء في البيوت، أصابت امرأة وأخطأ عمر. فلا يصح تحديد المهور لقوله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم)، دون تقييد كلمة بأموالكم فيدخل في مفهومها المال الكثير فيجوز جعله مهراً، فالمهر من حق المرأة، هي من يقرره، ويدخل في ملكها بمجرد العقد عليها. وإن لم يسم مهراً لها فلها مهر المثل إن مات عنها أو دخل بها، وإن اختلفا في تسمية المهر أو مقداره وأقام كل منهما البينة، رجحت بينة المرأة، وحكم القاضي لها، وهذه إحدى الصور المشرقة للمرأة التي يتغافل عنها البعض.
فلا أحد يرخص من ابنته ويقول مهرها ريالان أو عشرة ريالات، أو لا نريد مهراً لها، فكثرة الطلاق أحد أسبابها تساهل الآباء بمهور بناتهم، وعدم تقدير ذلك من الأزواج، يعتبره البعض من باب (ما صدقت على الله).
الزوج ملزوم بالمهر، ملزوم بالصرف عليها، لا تصرف من مهرها، ولا مالها الخاص شيئاً، وعلى الذين يستغلون زوجاتهم مادياً أن يتقوا الله فيهن، وللأستاذ مشعل أقول: طالما أن هناك شرعاً فلا مكان للموروث في حياتنا. فشرع الله أحق أن يتبع.