كما أن من لا يذاكر لا ينجح بالامتحان، ومن لا يسعى لمقصده لن يصل إليه أبداً مهما ادعى وترجى وتلاعب وتملق وخادع وناور وتحايل وغش، فدائما وأبدا لا يمكن تحقيق الأمور بشكل حقيقي إلا بسلوك طريق أسباب تحقيقها الواقعية المادية والمعنوية ولا شيء آخر يجدي كبديل، لكن ضعف التكريس العقلي وتضخم «غرور الأنا» يجعل الناس يتوهمون أنهم يمكنهم التصرف بأي طريقة تحلو لهم وترضي أهواءهم بقصد الوصول لمرادهم وتحقيقه مهما كانت طريقتهم بالحقيقة مضادة لإمكانية الوصول لمرادهم، فليس هناك شيء يحدث بالواقع لمجرد أن الشخص أراده بشدة أن يحدث وأغمض عينيه وتخيل أنه يحدث، وقال له «لايف كوتش» يدفع له أموالا طائلة أنه يمكنه جعل المستحيل يحدث، فهناك أسباب مادية ومعنوية ظاهرة وباطنة يجب أن يأخذ بها الإنسان ليحقق مراده ودون أخذه بها بصدق ونزاهة وإخلاص لا شيء يتمناه سيتحقق له لا على الصعيد الخاص ولا العملي والمادي ولا العام، وأهم مبدأ مهمل في عرف الناس يؤدي لفشل مساعيهم باتجاه مرادهم بالعظمة والمجد الذي يتمنونه، هو مبدأ كبح ردة الفعل الغرائزية اللاواعية الوقائية الحمائية المضادة لكل ما هو مؤلم ماديا ونفسيا، وردة الفعل الغرائزية المضادة والمتباعدة عن كل مصدر ألم توجد حتى لدى المخلوقات الحية التي ليس لها دماغ وجهاز عصبي كالنباتات -طالع التجارب على النباتات للعالم الأمريكي Cleve Backster/كليف باكستر الذي عمل لصالح المخابرات الأمريكية- والإنسان يفترض أنه يتميز عن المخلوقات الأدنى بامتلاكه لإمكانية كبح ردات الأفعال الغرائزية الآلية التلقائية اللاواعية ليتصرف بنمط معاكس لها يطبق مثاليات أعلى، فكل ما يتطلبه النجاح من أي وجه هو مؤلم بشكل ما، فهو أمر مؤلم ترك الطفل لفراشه ونومه الذي لم يشبع منه ليذهب لتعب المدرسة لنصف يوم محروما من بيته وأهله والنشاطات التي يحبها، وتقبل النقد والنصائح والعتاب واللوم والمخالفة والاعتراض والنقاش هو أمر مؤلم نفسيا وذهنيا، لكن لا بد منه لكي يتكرس لدى الإنسان وعي حقيقي بالذات ويبصر عيوبها وأخطاءها وقصورها وسلبياتها ونوعية أثر كل ما يصدر عنها على العالم الخارجي والناس، ودون هذه التغذية الراجعة/التغذية المرتدة يبقى حال الشخص كمن يمشي في نومه ولا يبصر ولا يسمع ولا يعي ولا يدرك واقعه الحقيقي إنما هو عالق بالانسياق وراء خيالات منامه، ولذا يبدو سلوكه متناقضا وغير منطقي ومتضارب التوجهات ويخرب مساعيه بنفسه ويتصرف بشكل تنتج عنه عواقب معاكسه لمراده ولا يعرف أو يفهم لماذا يحدث معه ذلك فيبدأ بافتراض تفسيرات عشوائية مثل أنه منحوس أو أنه ضحية نظريات مؤامرة، والحقيقة أنه فقط لم يأخذ بالأسباب الصحيحة اللازمة لتحقيق مراده وأولها تحمل أنواع الآلام المادية والمعنوية اللازمة ليصل الإنسان للحال العظيم الذي يطمح إليه، ولذا يجب أن يتقبل حتى نقد الحاسدين والحاقدين والمغرضين وتربصهم به ووقوفهم له على الواحدة فهذا بالنهاية لمصلحته ولو أن مصلحته ليست قصد خصومه، لكن باستفادته من نقدهم ينفعونه من حيث أرادوا أن يضروه، فلا أحد سيبصره بعيوبه وأخطائه وقصوره كخصومه، وبالتالي لا أحد يدفعه للتصحيح والتحسين والتطوير والتجويد والامتياز المستمر باتجاه أعظم كمال يمكنه تحقيقه أكثر من خصومه وحساده ونقاده ومخالفيه؛ ولذا صدق الخليفة عمر بن الخطاب عندما قال «رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي»، فهو اعتبر نقد الناس لعيوبه مكسباً محبباً كهدية لأنه يعلم أن العظمة الحقيقية لا تتحقق إلا باحتمال الألم النفسي والذهني الناتج عن تقبل النقد والمخالفة والنصيحة التي تساعده ليصبح أفضل وأكمل، وبالتالي أقدر على تحقيق مراده بحق وحقيقة بدل أن يبقى يدور حول نفسه بدوائر مغلقة لأنه لا يتلقى توجيهات راجعة من أحد تنبئه بالحقيقة الحقيقية والواقعية فيبقى منساقا وراء ردة الفعل اللاواعية الغرائزية المضادة لمصدر الألم النفسي والذهني للنقد والمخالفة والنصيحة، فكل شيء بالدنيا له ثمن سواء مادي أو معنوي وما لا ثمن له فليس بحقيقي، وثمن كل ما لا ثمن مادي له هو الألم النفسي والذهني؛ لذا يجب أن يكيف ويوطن الإنسان نفسه على تمحيص ألمه قبل اتخاذ ردات أفعال لاواعية مضادة للألم ومصدره، وهناك قوة جوهرية لا متناهية وكبرياء ونبل لا يتكرس بالإنسان إلا عندما يوطن نفسه على احتمال أقصى درجات الألم المادي والمعنوي طالما له ثمار إيجابية حسب السنن الواقعية الظاهرة والباطنة وليس حسب الأهواء.