-A +A
حسين شبكشي
تمر العلاقات بين الدول في مراحل مختلفة، فمنها ما يتحول إلى علاقة شراكة إستراتيجية ومصير مشترك ومنها على النقيض تماما ما يتحول إلى طلاق بارد أو عزلة تامة أو حتى عداء يصل إلى درجة الحرب.

ومن الضروري الإشادة في هذا السياق بالنجاح الدبلوماسي المهم واللافت جدا، الذي حققته السعودية منذ أيام بطيها صفحات الخلاف القديم والمعقد مع مملكة تايلند، والذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن. فقد نجحت السعودية بدبلوماسية هادئة رصينة ورزينة في تسجيل الكثير من النقاط لصالحها خلال الاتفاق الذي حدث مع تايلند، بالاعتراف من قبل تايلند بالأخطاء التي حصلت في معالجة الأوضاع الجنائية في ملف العلاقات بين البلدين، والذي تسبب في القطيعة العميقة التي حدثت بينهما بعد ذلك. وتم الاتفاق على طي الصفحة والبدء بقاعدة جديدة من الاحترام المتبادل والشفافية المتوقعة والاستثمار المشترك في إقامة العلاقات بسوية وعقلانية وحكمة. وهذه العلاقة الجديدة ستبني على الكثير من العناصر المشتركة والمهمة بين الطرفين التي تجعل الفائدة مشتركة لهما منتظرة ومتوقعة، لا ظلم فيها لطرف على الآخر بل الاستفادة ستكون لكليهما.


فتايلند دولة معروفة من ضمن الدول التي تسمى بنمور آسيا ذات النشاط الاقتصادي المتأهب والمتصاعد، والتي تتميز بقطاع اقتصادي متنوع فيه نجاحات مميزة في العديد من المجالات، لعل أبرزها توطين صناعة السيارات والإلكترونيات والمواد الغذائية والتقنية الحديثة، وتفوق نوعي في الطب والسياحة العلاجية والسياحة المتنوعة.

والسعودية باعتبارها دولة من ضمن اقتصاديات مجموعة العشرين، تسعى لتنويع مصادر الدخل فيها وفتح قنوات استثمارية وتصديرية لموادها وخدماتها، وتايلند بموقعها الإستراتيجي مؤهلة ومرشحة لأن تكون شريكا إستراتيجيا تجاريا واقتصاديا مهما للمملكة العربية السعودية وخصوصا أنها دولة ذات ثقل رئيسي على جيرانها ومؤثرة جدا عليهم وتحديدا دولا مثل لاوس وفيتنام وكمبوديا وصولا إلى ميانمار.

هذا النوع من العلاقات هو الذي يستمر لأن فيه مصالح مشتركة بين البلدين، وهو ما أصرت عليه الاتفاقية الجديدة في إطلاق العلاقة مجددا بينهما، حيث تكون مصلحة لصالح كل طرف بناء على احتياجاته وعلى مرئياته وعلى أهدافه وعلى أولوياته.

هذا النجاح يحسب وبجدارة للدبلوماسية السعودية التي تمكنت من إعادة العلاقات مع دولة مهمة جدا في الصعيد الاقتصادي الآسيوي ومن الدول المؤثرة في محيطها العام دون التنازل عن أي حق ولا التفريط في أي هدف، وبذلك تنجز السعودية بهدوء وعقل وحكمة نصرا دبلوماسيا كبيرا وتفتح صفحة جديدة مع دولة مهمة ذات ثقل، وتكتب بذلك الإنجاز درسا دبلوماسيا من الممكن أن تستفيد منه العديد من الدول حول العالم.

فقط الدول الذكية والحكيمة هي التي تستغل الأوقات والتجارب السلبية في العلاقات بين الدول وتطورها إلى فرصة تحسين ونقل العلاقة إلى مستويات أعلى وأفضل، مستفيدة من التجارب التي أوصلتها إلى ما كانت عليه ومتأملا عبر خارطة طريق واضحة الملامح تفيد الطرفين بجدارة واقتدار ما يمكن أن تكون عليه العلاقة بينهما مستقبلا، وهذا ما فعلته الدبلوماسية السعودية بكل مهارة وحرفية وجدارة مكنتها من إنجاز هذا الانتصار الكبير.