السخرية من الأشياء سواء كانت أشخاصاً أم جمادات هو أسلوب تحقير وتصغير يعتبر في الغالب أسلوباً مذموماً ينشأ عن مريضي الأنفس الذين يحتقرون ذواتهم بالأساس، ويدارون هذا الشعور بعكسه على ما ومَن حولهم..
إلا أنني في حالات خاصة أعتبره محموداً وذلك عندما أستخدمه لأسخر من مخاوفي أو حزني أو من وضعي في موقف معين، فنحن في حقيقة الأمر «لا نسخر إلا مما نخاف»..
وقد يكون ذلك أسلوباً من أساليب الدفاع الفطرية التي نلجأ إليها كوسيلة نتحايل بها على ضعفنا أمام ما نخشى أن يهزمنا حتى لو كان الخصم مجرد مشاعر!
فمثلاً في اللحظة التي أكتب فيها مقالي هذا أجد أنني أشبه المقعد الخشبي الذي أجلس عليه في الطريق، فأنا لا أختلف كثيراً عنه..
كم من العابرين ألقوا عليه بأحمالهم التي ناءت بها كواهلهم قبل أن تنوء بها الطرقات؟!
وكم منهم من استند بظهره إلينا أنا.. أو المقعد؟!
كم من هؤلاء الذين مروا بنا تربعوا واستراحوا ثم تركوا صدى ضحكاتهم حولنا ومضوا؟!
وكم من لحظة وجع في مشهد فراق لم نملك إلا أن نكون شاهدين عليها؟!
ورب عابر جاءنا وبيده باقة فرح منسي لربما تركها فوق ألواح الكرسي.. أو ربما تحت أضلاعنا..
الفرق الوحيد بيني وبين هذا المقعد الخشبي.. أن المطر يغسله، بينما المطر يغرقني بطوفان مشاعر تهيج فيختلط قديمها بجديدها فأعود - وأنا من طين - لأتشكل من جديد بملامح أكثراً هدوءاً ونضجاً وزهداً في خوض التجارب العبثية والمهاترات التي لا جدوى منها..
نعم.. الفرق الوحيد.. أن هذا المقعد يجد من حين إلى حين من يمر به لينظفه ويزيل عنه آثار العابرين بعدما رحلوا وخلّفوا وراءهم نفايات كانت ذات يوم أحلاماً لا تقدر بثمن..
وسواء كان ما مر قطرة غيث أو نسمة هواء عابرة أو يدي عامل نظافة، فهي تزيل بقاياهم الملوثة وتعيد المقعد خالياً كما كان.. مستعداً لاستقبال عابرٍ جديد كأن لم يُستَحل قبل ذلك..
أغبطك أيها المقعد.. فالفرق بيني وبينك أن ألواح أضلاعي ما زالت تخبئ بينها بقايا لحظات لم تحظَ بريحٍ تبعثرها أو قطرة مطر تغسلها أو حتى يداً تلملم سوءات من مروا عليها..
والآن قد تأخر الوقت لذا سأغادر الكرسي الخشبي.. أو ربما هي محاولة لأثبت أني لا بد يوماً ما سأغادرني!
سأترك مساحة جلوسي عليه خالية.. لعابرٍ ما بعدي..
ولكني بمكر.. دسست له مكاني بعضاً من وجعي المغلف بابتسامة، فهل سيجده مغرياً ليسرقه ويمضي به؟!
أم أني سأجده غداً بانتظاري - كما تركته - على المقعد الخالي نفسه؟!
* اتكاء:
يا ليل إن عاد الصحاب ليسألوا عني هنا..
قُل للصحاب بأنني أصبحت أدرك من أنا..
فاروق جويدة
إلا أنني في حالات خاصة أعتبره محموداً وذلك عندما أستخدمه لأسخر من مخاوفي أو حزني أو من وضعي في موقف معين، فنحن في حقيقة الأمر «لا نسخر إلا مما نخاف»..
وقد يكون ذلك أسلوباً من أساليب الدفاع الفطرية التي نلجأ إليها كوسيلة نتحايل بها على ضعفنا أمام ما نخشى أن يهزمنا حتى لو كان الخصم مجرد مشاعر!
فمثلاً في اللحظة التي أكتب فيها مقالي هذا أجد أنني أشبه المقعد الخشبي الذي أجلس عليه في الطريق، فأنا لا أختلف كثيراً عنه..
كم من العابرين ألقوا عليه بأحمالهم التي ناءت بها كواهلهم قبل أن تنوء بها الطرقات؟!
وكم منهم من استند بظهره إلينا أنا.. أو المقعد؟!
كم من هؤلاء الذين مروا بنا تربعوا واستراحوا ثم تركوا صدى ضحكاتهم حولنا ومضوا؟!
وكم من لحظة وجع في مشهد فراق لم نملك إلا أن نكون شاهدين عليها؟!
ورب عابر جاءنا وبيده باقة فرح منسي لربما تركها فوق ألواح الكرسي.. أو ربما تحت أضلاعنا..
الفرق الوحيد بيني وبين هذا المقعد الخشبي.. أن المطر يغسله، بينما المطر يغرقني بطوفان مشاعر تهيج فيختلط قديمها بجديدها فأعود - وأنا من طين - لأتشكل من جديد بملامح أكثراً هدوءاً ونضجاً وزهداً في خوض التجارب العبثية والمهاترات التي لا جدوى منها..
نعم.. الفرق الوحيد.. أن هذا المقعد يجد من حين إلى حين من يمر به لينظفه ويزيل عنه آثار العابرين بعدما رحلوا وخلّفوا وراءهم نفايات كانت ذات يوم أحلاماً لا تقدر بثمن..
وسواء كان ما مر قطرة غيث أو نسمة هواء عابرة أو يدي عامل نظافة، فهي تزيل بقاياهم الملوثة وتعيد المقعد خالياً كما كان.. مستعداً لاستقبال عابرٍ جديد كأن لم يُستَحل قبل ذلك..
أغبطك أيها المقعد.. فالفرق بيني وبينك أن ألواح أضلاعي ما زالت تخبئ بينها بقايا لحظات لم تحظَ بريحٍ تبعثرها أو قطرة مطر تغسلها أو حتى يداً تلملم سوءات من مروا عليها..
والآن قد تأخر الوقت لذا سأغادر الكرسي الخشبي.. أو ربما هي محاولة لأثبت أني لا بد يوماً ما سأغادرني!
سأترك مساحة جلوسي عليه خالية.. لعابرٍ ما بعدي..
ولكني بمكر.. دسست له مكاني بعضاً من وجعي المغلف بابتسامة، فهل سيجده مغرياً ليسرقه ويمضي به؟!
أم أني سأجده غداً بانتظاري - كما تركته - على المقعد الخالي نفسه؟!
* اتكاء:
يا ليل إن عاد الصحاب ليسألوا عني هنا..
قُل للصحاب بأنني أصبحت أدرك من أنا..
فاروق جويدة