الوضع المحتدم بين روسيا وأمريكا بخصوص أوكرانيا الذي ينذر بحرب عالمية ثالثة، والذي سبقه دعم روسيا للحرب الأهلية في أوكرانيا خلال العقد الأخير، سببه الحقيقي الجذري الجوهري هو ذاته سبب كل الحروب العالمية والتاريخية وله قسمان؛ قسم منشؤه طبيعي، والآخر منشؤه البرمجة الثقافية السياسية التقليدية التي عفا عليها الزمن وما عادت الأجيال الجديدة تفكر بمنظورها؛ فالأجيال الجديدة من القيادات التي نشأت في عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة بين القوى العظمى سابقا ما عادت لديها البرمجة السياسية السلطوية العنترية التقليدية القديمة المنقرضة التي ترى أن فرض النفوذ والهيمنة العالمية يكون عبر السياسات العدوانية العسكرية الحربية، فالنهج الجديد في فرض النفوذ والهيمنة العالمية يتمثل في نهج الصين التي نجحت بفرض نفوذها وهيمنتها العالمية عبر جعل نفسها أهم مركز عالمي لتزويد العالم بكل ما يحتاجه من صناعة وتجارة وتقنية وإنتاج زراعي وغذائي وتمويل استراتيجي واستثمارات، بالإضافة لكونها أيضا سوقا مفتوحا ونشطا بالنسبة للآخرين، فبهذا النهج الصين تزيح حاليا أمريكا عن مكانتها كقطب القوة العظمى الوحيدة في العالم، لأن أمريكا ركزت على فرض هيمنتها عبر الاستراتيجيات والسياسات العسكرية واستنفدت مواردها فيها مما أضعفها في كل جوانب القوى الأخرى وخلق فرصة للصين لتتفوق عليها فيها، بينما روسيا تعاني من انهيار صناعي واقتصادي وعسكري لجهة نوعية عتادها العسكري ولذا لا يمكنها فرض النفوذ والهيمنة العالمية لا عبر النظرية السلطوية القديمة التقليدية، أي عبر الهيمنة الحربية، لافتقارها للتفوق بالتكنولوجيا العسكرية، ولا عبر النظرية الحديثة لفرض الهيمنة عبر القوى الاقتصادية والصناعية والتجارية، ولذا نتيجة الحرب محسومة مسبقا، وشكرا للتكنولوجيا الحربية الحديثة التي صعبت تكلفتها البالغة الارتفاع إمكانية خوض الحروب أو الاستمرار بها لوقت طويل لأنه يمكنها إفلاس حتى أغنى الدول، وأما بالنسبة للمنشأ الطبيعي للحرب العالمية الثالثة وما قبلها من حروب فهو السبب وراء إلحاح المؤسسات الدولية والغرب على إشراك المرأة عموما بخاصة في الدول المسلمة بالشأن العام، فالسبب ليس نظرية مؤامرة على فضيلة المرأة المسلمة وإرادة إضعاف المسلمين بجعل المسلمات يشاركن في صنع الواقع والمستقبل، إنما الغاية من هذا الإلحاح هو إنقاذ المسلمين من جحيم الحروب والإرهاب وتدمير الذات الذي هم غارقون فيه، ولفهم هذا المنظور يجب الإشارة لحقيقة أن الإنسان مكون من طبيعتين مختلفتين؛ طبيعة دنيا لاواعية وتتمثل بنوازع الأنا البدائية الغرائزية وهي المشتركة مع الحيوانات، والطبيعة الثانية هي طبيعة عليا فكرية وجدانية أخلاقية روحية ربانية واعية يتفرد بها الإنسان، وغالب الناس مسيرون بالكامل بالطبيعة الغرائزية البدائية اللاواعية، ولذا لفهم الظواهر البشرية كالإرهاب والحروب يجب مطالعة برامج سلوك الحيوانات، وأبرز نمط يمكن ملاحظته فيها هو صراعات وحروب ذكور الحيوانات على فرض الهيمنة والنفوذ والسيطرة الأحادية المتفردة على الجماعة وتعيين الذكر المهيمن على منطقة حدود سيطرته عبر نثر رائحة إفرازاته على حدودها وأي ذكر يتعدى على حدوده يقوم الحيوان الذكر المهيمن بحرب معه، وبنفس الوقت هذا الذكر يحاول غزو منطقة سيطرة ذكر مهيمن آخر للاستحواذ على جماعته وموارده، بينما إناث الحيوانات لا يخضن أي صراعات على السلطة والسيطرة والهيمنة والنفوذ وحتى إناث الحيوانات المفترسة كاللبؤة مسالمات تماما لا يقمن بفعل عنيف إلا للصيد لإطعام صغارهن والدفاع عن صغارهن، ولهذا فطريا التنمر والصدام والصراع والحروب والعنف الأسري والاجتماعي والإرهاب والعدوان هي أنماط غرائزية ذكورية في الإنسان والحيوان، ومخالفة لفطرة الأنثى في الإنسان والحيوان، ولذا أثبت التاريخ أن الدول التي لها إرث من الدمار السياسي والحربي عندما دخلت المرأة للشأن العام فيها تحولت لدول مسالمة تتمحور حول تأمين الحياة الطيبة والرخاء لمواطنيها كالدول الاسكندنافية التي تتصدر النساء إدارتها وهم أحفاد الغزاة الفايكنج المدمرين لكن صارت منذ عقود على رأس قائمة الدول الأسعد والأغنى والأقل جريمة وحروبا وإرهابا وفسادا لأن طبيعة النساء تتمحور حول تقديم الرعاية والعناية بالحياة الطيبة والنمط التفاهمي التعاوني الديمقراطي/الشوري الدبلوماسي بالإدارة وحل المشكلات والخلافات بدل الصدام والصراع والعنف والحرب والأرهاب.