-A +A
حمود أبوطالب
من غير الممكن الحديث في مقال واحد عن كل مضامين حوار الأمير محمد بن سلمان مع مجلة أتلانتك، إذ سيكون ذلك اختصاراً مخلاً لما يمكن اعتباره حواراً تأريخياً بكل المقاييس. لقد اعتدنا على ظهور الأمير محمد من وقت لآخر في مقابلات وحوارات مع الإعلام المحلي أو الخارجي، وكلها مهمة ومثيرة، لكن ربما يكون حواره الأخير هو الأكثر صراحة وشجاعة وإثارة وشمولية وتفنيداً واقتحاماً لملفات كانت مشوبة بالحساسية، وقضايا لم يكن أحد يعتقد أنه سيتم الحديث عنها في يوم ما من قبل مسؤول في هذا المستوى، بل ربما لم يفكر أحد أنه بالإمكان إثارتها كأسئلة في حوار إعلامي. نحن نعرف جيداً جرأة وحصافة الأمير محمد بن سلمان في الحوارات الإعلامية، لكنه هذه المرة فاق كل التوقعات وأكد أن كل شأن يمكن الحديث عنه وكل موضوع يمكن نقاشه، وأن لديه الاستعداد التام للحوار في أي شأن حتى لو وصل الى أدق التفاصيل الحساسة في مؤسسة الحكم والأسرة الحاكمة، بل وحتى الاتهامات الموجهة له شخصياً، ناهيكم عن بعض الجوانب المتعلقة بالمؤسسة الدينية وتعالقها بالمؤسسة السياسية، وبعض ما كان يعتبر مسلمات غير قابلة للخوض فيها ونتجت عنها صورة ذهنية نمطية لدى الآخرين بأن المملكة، دولةً ومجتمعاً، تميل إلى الجمود والتلكؤ في التعايش مع العالم الجديد بمقتضياته الحضارية.

مؤسسة الحكم المرتبكة غير الواثقة من سلامة مسارها وتعاملها مع الشعب وسياساتها الداخلية والخارجية هي التي يتحاشى مسؤولوها مواجهة الإعلام، أو مواجهته بشروطهم وتحديد ما يمكن الحديث فيه وما لا يمكن، أنظمة حكم كثيرة تدعي أنها من الشعب وتحكم بالشعب لأجل الشعب رافعةً شعارات الديموقراطية والحرية والمساواة والعدالة، لكن الزعيم الأوحد يدير البلاد كما يشاء ومن يسأل أو ينتقد أو يطالب بحق مشروع فإن الجلاوزة له بالمرصاد، ليس في أدبيات تلك الأنظمة التواصل مع الشعب لأن الشعب ليس من حقه أن يعرف. ولكن على العكس من ذلك فإن الأنظمة الواثقة من شرعية وجودها والمستندة الى تأريخ طويل من الحكم الرشيد بالتضامن مع أجيال متلاحقة من الشعب شاركتهم بناء الوطن وتوحيده، هذه الأنظمة ليس لديها ما تخشاه أو تخفيه عن شعوبها وعن العالم، لهذا جاء حديث الأمير محمد بن سلمان كعادته واضحاً شفافاً جريئاً ومليئاً بالمعلومات الدقيقة والتطلعات المبنية على أسس حقيقية وليست أوهاماً وأحلام يقظة.


كل جانب تحدث فيه الأمير محمد بن سلمان لمجلة أتلانتك يستحق لوحده بحثاً عميقاً لأنها جوانب هامة جداً تحدد واقع تعامل المملكة مع الحاضر والمستقبل، الداخل والخارج، بلغة الدولة القوية المتزنة التي تعرف جيداً ماذا تفعل وكيف تنفذ رؤيتها الشاملة التي لن يعطلها أحد كما أكد ذلك الأمير محمد بلغة حاسمة. خطاب يمكن اعتباره وثيقة مختلفة في تأريخ الدولة السعودية.