-A +A
نجيب يماني
كتب الزميل إبراهيم علوي تحقيقاً بعنوان (رقية جماعية بماء الزعفران) معدداً عدة محطات لمن امتهن الرقية وضحك بها على عقول الباحثين عن أمل الشفاء.

بعضهم متعاقدون مع مصانع مياه، والبعض الآخر يقرأ في خزانات المياه، وآخرون رقية جماعية عن طريق التلفون، وهناك من يجعلها ذريعة للمس أجساد النساء والتحرش بهن، وآخرون للتكسب وأكل أموال الناس بالباطل، وغيرها من مثالب الرقية التي سادت في زمن الصحوة الهالكة، وكانت أحد أسلحة سطوتهم وتسلطهم، وهي تمثل فترة مقيتة من حياتنا رافقت الشريط الإسلامي والمطويات ومنابر الوعظ والمخيمات الدعوية وتجارة زيت الزيتون وجوالين زمزم، فلا نريد من يذكرنا بتلك الأيام السوداء، لا أعادها ًالله علينا. ويطالب (بتنظيم عمل الرقاة لا منعهم)، وأخالف الزميل إبراهيم طرحه وأطالب بمنعها تماما، فتاريخ سيرتهم ومسيرتهم لا (يجعلنا نلدغ من جحر مرتين).


تذكرون زمن الخديعة حيث كانت تباع زجاجات ماء زمزم (المخلوط بالرقية الشرعية) في محلات التسجيلات الإسلامية بسعر (ثلاثين ريالا) للزجاجة، ويشتريها أصحاب النفوس الضعيفة باعتقاداتهم الفاسدة في احتواء هذه الزجاجات على العلاج الشافي من الأمراض، وكيف يخدع الناس ويتعلقون بمثل هذه الترّهات ويعتقدون فيها، رغم نصوص الوحيين كتاب الله وسنة رسوله التي دحضتها وحذرت منها، فالأصل في معتقدات الناس وحاجاتهم الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى من غير واسطة ولا وسيلة ولا حجب ولا تمائم ولا رقية شرعيّة ولا غير شرعيّة، يقول الحق: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم). مع الأخذ بالأسباب المشروعة مثل التداوي من المرض، ثم التوجه إلى الله بالدعاء، فهو المتصرّف في شؤونهم فاتح أبواب رحمته ليتجه الناس إليه بحاجاتهم، ليس في حالات الشدّة فقط بل في أمور حياتهم ومعاشهم.

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليسأل أحدكم ربه حاجاته كلها حتى شسع -أي رباط- نعله إذا انقطع). وقال سبحانـه وتعالى: (وَإِذَاَ سَأَلَكَ عِبَاَدِيِ عَنِّيِ فَإِنّيِ قَرِيِبْ أُجِيِبُ دَعْوَةَ الدَّاَعِ إِذَاَ دَعَاَنْ). فالوَاجِبُ في حَق المريض ومن به أذى أنْ يتجه إلى الله مباشرة بالدعاء بعد الأخذ بالأسباب ويطلب منه الفرج ورفع البلاء، فالدعاء مُخ العبادة.

فالعبد يتوجه بنفسه مباشرة إلى الله خالصاً من قلبه غير متعلّق بهذا ولا ذاك من شيوخ الرقية ولا ببركات التمائم ولا العزائم ولا ماء زمزم (ولا تنكة زيت زيتون)، (ولا حبة سوداء)، (ولبان ذكر)، فالله يستجيب لعبده ويكشف عنه الضر ويرفع عنه البلاء دون واسطة.

(يونس) دعا ربه وهو في بطن الحوت متضرّعاً مخلصاً (لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين)، فكان جواب ربه له (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).

(ذا النون) وهو من أنبياء الله. مرض وعانى فهل أرشده الله سبحانه وتعالى إلى قراءة شيء من كلامه على جسده بل أنبت له شجرة من يقطين ليتداوى بها.

(الصحابة) انتابتهم الأمراض والهموم في عهد الرسول وبعده، ولم يهرعوا إلى الرقية بماء زمزم؟ ولم يأت أحدٌ منهم إلى النبي وهو حيٌ ليطلب منه الشفاء ورفع البلاء.

في مكة تمرض عين (ابن العبّاس) حبر الأمة وماء زمزم بين يديه، فهل أخذ منه وتلا عليه ليتداوى به؟ لقد أخذ بأسباب التداوي بأنواع الكحل والأثمد وما هو معروفٌ في أيّامهم.

فعلى الرقاة القائمين على هذه (الخزعبلات) والمروّجين لها بالعقائد الفاسدة والضحك على العقول وأنها تنفع وتضر أن يترفّعوا عن هذا السقط الوخيم، وأن يكفوا بدعهم وخزعبلاتهم عن أصحاب الأمراض وأصحاب الحاجات. لقد قطع عمرو بن عبدالعزيز على هؤلاء الرقاة طريقهم عندما سئل أن يرقى مريضا فرفض، فقيل له إن جدك عمر بن الخطاب كان يرقى بفاتحة الكتاب، فقال هذه الفاتحة فأين عمر؟ وقال أبو حنيفة الفاتحة هي الفاتحة ولكن أين عمر.

نعيش في ظل طفرة طبية عظيمة تسعى جاهدة لأن تجد لكل داء دواء، ونحن لا نزال أسرى لعقول مريضة مرة بالزعفران، وأخرى بزيت الزيتون والحبة السوداء، وثالثة بماء تفل عليه من شخص لا نعرف ما به من داء لنداوى بها. لنداوي به أمراضنا قال الطب فيها كلمته القاطعة، ويأتي من يزعم أنه متصل بعالم الجن ولديه جوالاتهم والواتساب للمراسلة لشفاء هذا أو إرجاع هذه لزوجها أو جعلها تحمل وتلد، أنكر أن الله هو من يجمع ويفرق ويجعل من يشاء عقيما.

ويدحض أكاذيب هؤلاء الدجالين قصة الرجل الذي جاء للرسول ﷺ يشكو إليه بطن أخيه، فهل أمره الرسول بإحضار أخيه إليه ليرقيه بالقرآن؟ أو أن يذهب (لأهل الرقية الشرعية!!)، بل أمره بأن يسقي أخاه عسلاً ففيه شفاء بنص القرآن.

أغلقوا هذا الباب تماماً وكفى.