ثقافة الاصطفاف والتحزب مع فريق ضد آخر دائماً نشاهدها بقوة في حياتنا العامة وفي مواقف أغلب الدول في أروقة السياسة. هذا القرار في أغلب الأحيان عاطفي وغير عقلاني. فعلى سبيل المثال النزاع الروسي الأوكراني في حقيقته أبعد من كونه اعتداء على سيادة دولة، أو دفاعاً عن أمن قومي. كما أن الغرب المنخرطين في هذا الصراع ليس حرصاً منهم على احترام سيادة الدول وعلى القانون الدولي. فقد انتهكوا القانون الدولي بأبشع صوره في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان، وفي بنما وفي كثير من أنحاء العالم.
الموضوع أكبر وأبعد من مفهوم الاصطفاف مع أي فريق؛ لأن ما يحدث الآن هو إعادة تشكيل للنظام العالمي. وأن التحولات العميقة المتسارعة التي تصاحبه في هيكلة توزيع القدرات الاقتصادية، والعسكرية، وأنماط التفاعلات والتجاذبات الجارية بين القوى الرئيسة داخل النظام العالمي الجديد الذي يتشكل حالياً هي لبناء نظام متعدد الأقطاب.
لقد شاهدنا النظام العالمي ذا القطبين والحرب الباردة التي اتسمت بظاهرة التحالفات العسكرية والأمنية، خاصة حلف «الناتو» (الذي تأسس سنة 1949)، وحلف «وارسو» (الذي تأسس سنة 1955)، كحلفين عسكريين رئيسيين في قلب النظام العالمي آنذاك، الذي انتهت برحيل الاتحاد السوفياتي ليصبح العالم يدار من خلال قطب واحد مركزه واشنطن وذيوله حلفاؤه في الغرب.
عاش العالم فترة القطب الواحد وسياسة خلط الأوراق والخروج على قواعد القانون الدولي وانتهاك سيادة الدول ولعبة الكراسي الموسيقية وتوزيع الكراسي على اللاعبين وسحبها عندما تبدأ الموسيقى، ليفاجأ اللاعبون أن لا مكان لهم في اللعبة، كما حدث في منطقة الشرق الأوسط، وفي أفغانستان عندما كانت الموسيقى تعزف كانت الحكومة الأفغانية المنتخبة تدير المشهد بحماية أمريكية. وعندما توقفت الموسيقى لم تجد الحكومة الأفغانية كرسياً لها ورحل من استطاع منها على أول طائرة.
نحن حالياً نشهد قرب انتهاء النظام أحادي القطبية والانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب. وذلك بتراجع الفجوة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين وروسيا على مستوى القدرات الاقتصادية، وعلى مستوى الإمكانيات والقدرات العسكرية وأنظمة التسليح. ووفقاً للعديد من نظريات العلاقات الدولية وخاصة المدرسة الواقعية التي تعمل على مفاهيم خاصة لفهم تعقيدات السياسة الدولية وتفسير السلوك الخارجي للدول (الدولة، القوة، المصلحة، العقلانية، الفوضى الدولية، التقليل من دور المنظمات الدولية الاعتماد على الذات، هاجس الأمن والبقاء)، وهذه المفاهيم بمثابة مفاتيح اعتمدتها المقاربات الواقعية.
ويرى كثير من المختصين في العلاقات الدولية أنه بغض النظر عن كيفية الانتقال إلى نظام عالمي جديد سواءً عبر مواجهات عسكرية مباشرة بين هذه القوى، أو عبر مواجهات غير مباشرة، لكن الثابت أن سلسلة من الأزمات الإقليمية تلعب دوراً في «تسريع هذا الانتقال».
يرى الدكتور محمد فايز فرحات إن «السنوات الخمس الأخيرة، شهدت عودة سياسة الأحلاف مرة أخرى. كان أهم مؤشرات هذه العودة إحياء «الحوار الأمني الرباعي» The Quadrilateral Security Dialogue (QUAD) في عام 2017 بين الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، والذي شهد تطورات مهمة خلال العام الماضي (2021) مع تحوله إلى الانعقاد على مستوى القمة. ورغم أنه لم يتحول بعد إلى حلف عسكري بالمعنى الدقيق، لكنه يصنف باعتباره «إطاراً إستراتيجياً» لتنسيق السياسات والإستراتيجيات بين الدول الأربع داخل منطقة الإندوباسيفيك». وتأكدت عودة سياسة الأحلاف مع تأسيس تحالف «أوكوس» AUKUS في سبتمبر 2021 بين كل من الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة. كما كشفت موجة الاضطرابات الداخلية التي شهدتها كازخستان خلال شهر يناير 2022 عن الدور المهم لمنظمة «معاهدة الأمن الجماعي» التي يعود تأسيسها إلى بداية تسعينات القرن العشرين، لكن الدور المهم الذي لعبته في سرعة القضاء على هذه الإضرابات فتح المجال أمام «المعاهدة» كتحالف أمني جماعي في منطقة وسط آسيا، بقيادة روسية.
الخلاصة نحن أمام تحد ومخاطر سياسية وجيوسياسية وجيـوإستراتيجية. لهذا فالقضية ليست مأساة أوكرانيا أو أحقية روسيا في حماية أمنها، بل أبعد من ذلك. إننا نشهد ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب، لذا يجب أن نكون حذرين من الأخطار الناتجة عن هذا التحول وتوظيف الإيجابيات التي تنتج من هذا التحول لصالح منطقتنا ومصالحنا.
الموضوع أكبر وأبعد من مفهوم الاصطفاف مع أي فريق؛ لأن ما يحدث الآن هو إعادة تشكيل للنظام العالمي. وأن التحولات العميقة المتسارعة التي تصاحبه في هيكلة توزيع القدرات الاقتصادية، والعسكرية، وأنماط التفاعلات والتجاذبات الجارية بين القوى الرئيسة داخل النظام العالمي الجديد الذي يتشكل حالياً هي لبناء نظام متعدد الأقطاب.
لقد شاهدنا النظام العالمي ذا القطبين والحرب الباردة التي اتسمت بظاهرة التحالفات العسكرية والأمنية، خاصة حلف «الناتو» (الذي تأسس سنة 1949)، وحلف «وارسو» (الذي تأسس سنة 1955)، كحلفين عسكريين رئيسيين في قلب النظام العالمي آنذاك، الذي انتهت برحيل الاتحاد السوفياتي ليصبح العالم يدار من خلال قطب واحد مركزه واشنطن وذيوله حلفاؤه في الغرب.
عاش العالم فترة القطب الواحد وسياسة خلط الأوراق والخروج على قواعد القانون الدولي وانتهاك سيادة الدول ولعبة الكراسي الموسيقية وتوزيع الكراسي على اللاعبين وسحبها عندما تبدأ الموسيقى، ليفاجأ اللاعبون أن لا مكان لهم في اللعبة، كما حدث في منطقة الشرق الأوسط، وفي أفغانستان عندما كانت الموسيقى تعزف كانت الحكومة الأفغانية المنتخبة تدير المشهد بحماية أمريكية. وعندما توقفت الموسيقى لم تجد الحكومة الأفغانية كرسياً لها ورحل من استطاع منها على أول طائرة.
نحن حالياً نشهد قرب انتهاء النظام أحادي القطبية والانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب. وذلك بتراجع الفجوة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين وروسيا على مستوى القدرات الاقتصادية، وعلى مستوى الإمكانيات والقدرات العسكرية وأنظمة التسليح. ووفقاً للعديد من نظريات العلاقات الدولية وخاصة المدرسة الواقعية التي تعمل على مفاهيم خاصة لفهم تعقيدات السياسة الدولية وتفسير السلوك الخارجي للدول (الدولة، القوة، المصلحة، العقلانية، الفوضى الدولية، التقليل من دور المنظمات الدولية الاعتماد على الذات، هاجس الأمن والبقاء)، وهذه المفاهيم بمثابة مفاتيح اعتمدتها المقاربات الواقعية.
ويرى كثير من المختصين في العلاقات الدولية أنه بغض النظر عن كيفية الانتقال إلى نظام عالمي جديد سواءً عبر مواجهات عسكرية مباشرة بين هذه القوى، أو عبر مواجهات غير مباشرة، لكن الثابت أن سلسلة من الأزمات الإقليمية تلعب دوراً في «تسريع هذا الانتقال».
يرى الدكتور محمد فايز فرحات إن «السنوات الخمس الأخيرة، شهدت عودة سياسة الأحلاف مرة أخرى. كان أهم مؤشرات هذه العودة إحياء «الحوار الأمني الرباعي» The Quadrilateral Security Dialogue (QUAD) في عام 2017 بين الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، والذي شهد تطورات مهمة خلال العام الماضي (2021) مع تحوله إلى الانعقاد على مستوى القمة. ورغم أنه لم يتحول بعد إلى حلف عسكري بالمعنى الدقيق، لكنه يصنف باعتباره «إطاراً إستراتيجياً» لتنسيق السياسات والإستراتيجيات بين الدول الأربع داخل منطقة الإندوباسيفيك». وتأكدت عودة سياسة الأحلاف مع تأسيس تحالف «أوكوس» AUKUS في سبتمبر 2021 بين كل من الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة. كما كشفت موجة الاضطرابات الداخلية التي شهدتها كازخستان خلال شهر يناير 2022 عن الدور المهم لمنظمة «معاهدة الأمن الجماعي» التي يعود تأسيسها إلى بداية تسعينات القرن العشرين، لكن الدور المهم الذي لعبته في سرعة القضاء على هذه الإضرابات فتح المجال أمام «المعاهدة» كتحالف أمني جماعي في منطقة وسط آسيا، بقيادة روسية.
الخلاصة نحن أمام تحد ومخاطر سياسية وجيوسياسية وجيـوإستراتيجية. لهذا فالقضية ليست مأساة أوكرانيا أو أحقية روسيا في حماية أمنها، بل أبعد من ذلك. إننا نشهد ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب، لذا يجب أن نكون حذرين من الأخطار الناتجة عن هذا التحول وتوظيف الإيجابيات التي تنتج من هذا التحول لصالح منطقتنا ومصالحنا.