كتب أخي، وصديقي، المستشار القانوني أسامة يماني، مؤخرا، مقالا سياسيا قيما، في هذه الصحيفة («عكاظ»: العدد 20173، 11 / 3/ 2022م، ص 9) بعنوان: مع روسيا أو مع أوكرانيا. وفيه تحدث عن نقاط عدة (سياسية - دولية) عن الأزمة العالمية الأكبر في وقتنا الراهن، حرب روسيا ضد أوكرانيا. وطلب مني - بحكم تخصصي، ولأنني دائما أطلب رأيه، في أمور قانونية - إبداء الرأي في ما ورد بمقاله هذا. ومعروف، أن المستشار أسامة اليماني هو رجل قانون لا يشق له غبار. إضافة لكونه كاتبا مرموقا، تخصص في كتابة مقالات في القانون والفكر الفلسفي، تحظى بانتشار واسع لدى القراء. كما أن لديه مجلسا ثقافيا، يعقد في منزله العامر بجدة، ويستضيف فيه كبار الأدباء والمفكرين الذين يتناولون، بالنقاش المتسم بالاعتدال والرزانة، القضايا التي تهم الأمة.
وفي الواقع، إنني أجبت، في مقالاتي الأخيرة البسيطة، عما أثاره في مقاله المذكور من نقاط. ولا بأس من «تحديث» تلك الإجابات، وإيجاز ما ذكر، طالما أن الأوضاع المعنية لم تتغير، تغيرا جذريا بعد. ويمكن أن نحصر النقاط الأهم التي أثارها مستشارنا في ثلاثة أمور، هي: حقيقة ما يجري، تغير النظام العالمي، تأثير هذا التغير على منطقتنا العربية. وفي ما يلي نلقي بعض الضوء (لا كثيراً منه) على كل من هذه الأمور الثلاثة. وليكن ذلك من قبيل إبداء «رأي على رأي»... على وزن «قول على قول».
****
* بالنسبة لما يجري، معروف أن أوكرانيا استقلت عام 1991م، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي كان بقيادة روسية. وكانت إحدى أبرز جمهورياته، بسبب كونها دولة صناعية، ومن أكبر منتجي القمح في العالم. في عام 2014م، أرسلت روسيا جيشا إلى شرق أوكرانيا. وسيطرت على مواقع إستراتيجية فيه. وهناك روابط وثيقة بين روسيا وأوكرانيا. فالدولة الروسية الأولى تأسست في كييف. ثم انتقلت إلى بطرسبرج، فموسكو. ونسبة كبيرة من الأوكرانيين هي من أصل روسي. وتوجت روسيا بوتين حملة 2014م العسكرية بضم شبه جزيرة «القرم» إلى الاتحاد الروسي.
وهناك إقليم «دونباس» شرق أوكرانيا، وتقطنه أغلبية روسية، تدعو لانضمام الإقليم للاتحاد الروسي. ويدعي الغرب أن غالبية الشعب الأوكراني تميل نحوه، وتؤيد انضمام أوكرانيا لحلف «ناتو»، والاتحاد الأوروبي. وتعارض روسيا تمدد حلف «ناتو» شرقا، تجاه حدودها الغربية، وترفض بشدة انضمام أوكرانيا لهذا الحلف المعادي لروسيا. فانضمام أوكرانيا للحلف يعني اقترابه، بأسلحته وصواريخه، من قلب روسيا. وهذا ما ترفضه موسكو بشدة.
****
حدد الروس مطالبهم «الأمنية» الحالة، تجاه أمريكا والناتو وأوكرانيا، وملخصها: الالتزام بعدم نشر الصواريخ في وسط وشرق أوروبا، وعدم ضم أوكرانيا لحلف ناتو، إضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن روسيا، والاعتراف بروسية شبه جزيرة القرم، وتمكين سكان شرق أوكرانيا من الاستقلال، أو الحكم الذاتي. ولم يستجب الغرب لأي من هذه المطالب، حتى الآن. فكان الاكتساح الروسي لأوكرانيا. ويبدو أن الغرب لن يغامر بالدخول في حرب مع روسيا، تفضي لحرب عالمية شاملة. لذا، فالمتوقع أن تنتهي هذه الأزمة بتفعيل اتفاقية عدم نشر الصواريخ في وسط وشرق أوروبا، وعدم ضم أوكرانيا لحلف ناتو، مع تعهد روسيا باحترام سيادة واستقلال أوكرانيا.
ومن الموضوعية ألا نكون مع روسيا، أو أوكرانيا. روسيا معها الحق، سياسيا وإستراتيجيا. فهي تدفع خطرا فادحا محتملا. أما أوكرانيا، هذه الدولة الكبيرة الجميلة والمتقدمة، فقد سقطت، ويا للأسف، ضحية خبث (أو تآمر) الغرب، وحماقة إدارتها.
****
* ولا شك بأن العالم بدأ يسود فيه نظام «التعدد القطبي»، رغم استمرار القطب الأمريكي (الوحيد سابقا) في المركز الأول. هناك الآن ثلاث قوى عظمى (أقطاب): أمريكا، الصين، روسيا. ومعروف أن العلاقات فيما بين الأقطاب كثيرا ما تحدد وضع السلام، أو الحروب، في العالم، وفي أقاليمه الهامة. والتحليل الموجز للعلاقات الآن فيما بين هؤلاء الأقطاب، يكشف أن الصراع يسود العلاقات الأمريكية – الروسية، وكذلك العلاقات الأمريكية – الصينية. أما العلاقات الصينية – الروسية، فيسود فيها التعاون على الصراع. وهذا ما دفع بعض المراقبين لتوقع قيام تحالف صيني ـ روسي، ضد عدو عتيد مشترك، هو أمريكا / ناتو.
****
* وبالنسبة للمنطقة العربية (الشرق الأوسط) فإن عليها أن تدرك الآن أن للولايات المتحدة منافسين أنداداً، يريدون أن يشاركوا أمريكا في «كعكة» المنطقة. فالصين خاصة بحاجة ماسة لنفط وغاز المنطقة. وتهتم روسيا بالمنطقة، لأسباب عدة، أهمها: قربها من روسيا، وإمكانية الحصول فيها على موانئ دافئة، مثل ما حصلت عليه في طرطوس السورية، ولكون المنطقة مهمة لأمريكا، وبقية القوى الكبرى. أصبحت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا من النفط والغاز، وبالتالي لم تعد في حاجة مباشرة لهما. ولكنها تظل مصرة على التحكم في انسيابه لأصدقائها وأعدائها، والاستفادة من عوائده، قدر الإمكان. ولذلك، ستبقى أمريكا بالمنطقة، ولكن بزخم أقل، و«شروط» أشد. وستركز إمكاناتها العسكرية والدبلوماسية، من الآن وصاعدا، على المحيطين الهندي والهادي، الملاصقين للصين، بل وعلى «بحر الصين» نفسه. وهؤلاء العمالقة الثلاثة باقون، كلاعبين أساسيين على الساحتين العالمية، والإقليمية. وسيشتد تنافسهم على هذه المنطقة، الهامة جدا لثلاثتهم، وربما بنفس القدر لكل منهم.
****
ومهما كانت العلاقات فيما بين هذه الأقطاب، أو علاقة كل منها بدول المنطقة، فإن أهل المنطقة، شعوبا ودولا، هم المسؤولون عن حماية أمن واستقرار واستقلال وتطور بلادهم. إذ عليهم، دائما ومهما كان وضع النظام العالمي السائد، أن يعملوا بجد وإخلاص وصدق لتقوية الذات، خاصة عبر «تطبيع» أوضاعهم السياسية، والتضامن البيني، لأقصى حد ممكن، ليضمنوا بقاءهم واقفين... دون الحاجة الملحة لإسناد من هذه الدولة العظمى، أو تلك.
إن من مصلحة العرب (كأمة) أن يتحول المنتظم الدولي الحالي إلى نظام التعدد القطبي... إذ إن ذلك سيسهل التحلل من ربقة بعض الأقطاب.. عبر إمكانية الاستعانة (الحذرة) بالأقطاب الأخرى، في التصدي للمناورات المعروفة للأقطاب المؤذية للمصلحة العربية العليا. والمؤكد، أن تضامن واتحاد العرب - إن حدث - سيجعل منهم قوة هامة، في أي نظام عالمي... وبصرف النظر عن ماهية ذلك النظام، وطبيعة المسيطرين فيه. فاتحادهم، سيجعل منهم كياناً له سطوة وثقل الدولة الكبرى، إن لم نقل العظمى. وتظل «الحقائق» حقائقَ. أما آراؤنا هنا فالتشابه فيما بينها أكبر من الاختلاف.
وفي الواقع، إنني أجبت، في مقالاتي الأخيرة البسيطة، عما أثاره في مقاله المذكور من نقاط. ولا بأس من «تحديث» تلك الإجابات، وإيجاز ما ذكر، طالما أن الأوضاع المعنية لم تتغير، تغيرا جذريا بعد. ويمكن أن نحصر النقاط الأهم التي أثارها مستشارنا في ثلاثة أمور، هي: حقيقة ما يجري، تغير النظام العالمي، تأثير هذا التغير على منطقتنا العربية. وفي ما يلي نلقي بعض الضوء (لا كثيراً منه) على كل من هذه الأمور الثلاثة. وليكن ذلك من قبيل إبداء «رأي على رأي»... على وزن «قول على قول».
****
* بالنسبة لما يجري، معروف أن أوكرانيا استقلت عام 1991م، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي كان بقيادة روسية. وكانت إحدى أبرز جمهورياته، بسبب كونها دولة صناعية، ومن أكبر منتجي القمح في العالم. في عام 2014م، أرسلت روسيا جيشا إلى شرق أوكرانيا. وسيطرت على مواقع إستراتيجية فيه. وهناك روابط وثيقة بين روسيا وأوكرانيا. فالدولة الروسية الأولى تأسست في كييف. ثم انتقلت إلى بطرسبرج، فموسكو. ونسبة كبيرة من الأوكرانيين هي من أصل روسي. وتوجت روسيا بوتين حملة 2014م العسكرية بضم شبه جزيرة «القرم» إلى الاتحاد الروسي.
وهناك إقليم «دونباس» شرق أوكرانيا، وتقطنه أغلبية روسية، تدعو لانضمام الإقليم للاتحاد الروسي. ويدعي الغرب أن غالبية الشعب الأوكراني تميل نحوه، وتؤيد انضمام أوكرانيا لحلف «ناتو»، والاتحاد الأوروبي. وتعارض روسيا تمدد حلف «ناتو» شرقا، تجاه حدودها الغربية، وترفض بشدة انضمام أوكرانيا لهذا الحلف المعادي لروسيا. فانضمام أوكرانيا للحلف يعني اقترابه، بأسلحته وصواريخه، من قلب روسيا. وهذا ما ترفضه موسكو بشدة.
****
حدد الروس مطالبهم «الأمنية» الحالة، تجاه أمريكا والناتو وأوكرانيا، وملخصها: الالتزام بعدم نشر الصواريخ في وسط وشرق أوروبا، وعدم ضم أوكرانيا لحلف ناتو، إضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن روسيا، والاعتراف بروسية شبه جزيرة القرم، وتمكين سكان شرق أوكرانيا من الاستقلال، أو الحكم الذاتي. ولم يستجب الغرب لأي من هذه المطالب، حتى الآن. فكان الاكتساح الروسي لأوكرانيا. ويبدو أن الغرب لن يغامر بالدخول في حرب مع روسيا، تفضي لحرب عالمية شاملة. لذا، فالمتوقع أن تنتهي هذه الأزمة بتفعيل اتفاقية عدم نشر الصواريخ في وسط وشرق أوروبا، وعدم ضم أوكرانيا لحلف ناتو، مع تعهد روسيا باحترام سيادة واستقلال أوكرانيا.
ومن الموضوعية ألا نكون مع روسيا، أو أوكرانيا. روسيا معها الحق، سياسيا وإستراتيجيا. فهي تدفع خطرا فادحا محتملا. أما أوكرانيا، هذه الدولة الكبيرة الجميلة والمتقدمة، فقد سقطت، ويا للأسف، ضحية خبث (أو تآمر) الغرب، وحماقة إدارتها.
****
* ولا شك بأن العالم بدأ يسود فيه نظام «التعدد القطبي»، رغم استمرار القطب الأمريكي (الوحيد سابقا) في المركز الأول. هناك الآن ثلاث قوى عظمى (أقطاب): أمريكا، الصين، روسيا. ومعروف أن العلاقات فيما بين الأقطاب كثيرا ما تحدد وضع السلام، أو الحروب، في العالم، وفي أقاليمه الهامة. والتحليل الموجز للعلاقات الآن فيما بين هؤلاء الأقطاب، يكشف أن الصراع يسود العلاقات الأمريكية – الروسية، وكذلك العلاقات الأمريكية – الصينية. أما العلاقات الصينية – الروسية، فيسود فيها التعاون على الصراع. وهذا ما دفع بعض المراقبين لتوقع قيام تحالف صيني ـ روسي، ضد عدو عتيد مشترك، هو أمريكا / ناتو.
****
* وبالنسبة للمنطقة العربية (الشرق الأوسط) فإن عليها أن تدرك الآن أن للولايات المتحدة منافسين أنداداً، يريدون أن يشاركوا أمريكا في «كعكة» المنطقة. فالصين خاصة بحاجة ماسة لنفط وغاز المنطقة. وتهتم روسيا بالمنطقة، لأسباب عدة، أهمها: قربها من روسيا، وإمكانية الحصول فيها على موانئ دافئة، مثل ما حصلت عليه في طرطوس السورية، ولكون المنطقة مهمة لأمريكا، وبقية القوى الكبرى. أصبحت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا من النفط والغاز، وبالتالي لم تعد في حاجة مباشرة لهما. ولكنها تظل مصرة على التحكم في انسيابه لأصدقائها وأعدائها، والاستفادة من عوائده، قدر الإمكان. ولذلك، ستبقى أمريكا بالمنطقة، ولكن بزخم أقل، و«شروط» أشد. وستركز إمكاناتها العسكرية والدبلوماسية، من الآن وصاعدا، على المحيطين الهندي والهادي، الملاصقين للصين، بل وعلى «بحر الصين» نفسه. وهؤلاء العمالقة الثلاثة باقون، كلاعبين أساسيين على الساحتين العالمية، والإقليمية. وسيشتد تنافسهم على هذه المنطقة، الهامة جدا لثلاثتهم، وربما بنفس القدر لكل منهم.
****
ومهما كانت العلاقات فيما بين هذه الأقطاب، أو علاقة كل منها بدول المنطقة، فإن أهل المنطقة، شعوبا ودولا، هم المسؤولون عن حماية أمن واستقرار واستقلال وتطور بلادهم. إذ عليهم، دائما ومهما كان وضع النظام العالمي السائد، أن يعملوا بجد وإخلاص وصدق لتقوية الذات، خاصة عبر «تطبيع» أوضاعهم السياسية، والتضامن البيني، لأقصى حد ممكن، ليضمنوا بقاءهم واقفين... دون الحاجة الملحة لإسناد من هذه الدولة العظمى، أو تلك.
إن من مصلحة العرب (كأمة) أن يتحول المنتظم الدولي الحالي إلى نظام التعدد القطبي... إذ إن ذلك سيسهل التحلل من ربقة بعض الأقطاب.. عبر إمكانية الاستعانة (الحذرة) بالأقطاب الأخرى، في التصدي للمناورات المعروفة للأقطاب المؤذية للمصلحة العربية العليا. والمؤكد، أن تضامن واتحاد العرب - إن حدث - سيجعل منهم قوة هامة، في أي نظام عالمي... وبصرف النظر عن ماهية ذلك النظام، وطبيعة المسيطرين فيه. فاتحادهم، سيجعل منهم كياناً له سطوة وثقل الدولة الكبرى، إن لم نقل العظمى. وتظل «الحقائق» حقائقَ. أما آراؤنا هنا فالتشابه فيما بينها أكبر من الاختلاف.