السبب الرئيسي لوقوع الناس ضحايا للدجالين بمجالات العلاج والتوجيه الروحي والديني والسياسي والتنمية الذاتية وغيرها من المجالات المصيرية العواقب بالنسبة للإنسان هو رغبة الناس بحلول/خلطات سحرية لمعضلاتهم الكبرى المستعصية تحقق مرادهم بجميع المجالات الشخصية والعملية والعامة، والحقيقة ليس هناك حل سحري لأي معضلة من أي نوع، إنما هناك مبدأ واحد يمكن به للإنسان فردا وجماعة أن يحقق المستحيل وكل طموحاته وأهدافه وأحلامه ويحل كل معضلات ومشاكل حياته وعالمه، وهو أن نوعية وعي الإنسان هي التي تصنع الحدث، ولذا ليحقق الإنسان أي مقصد يجب أن يكتسب نوعية الوعي اللازمة لمقصده، وهناك نوعية وعي تمكن الإنسان من تحقيق كل مقصد له، وعلى الإنسان البحث عنها ولن يجدها لدى الدجالين والجماعات والشعارات إنما فقط بالكتب والعلوم والمعارف والفكر وخبرات الآخرين العملية والمعلومات المحققة واستشارات الخبراء والمتخصصين، وطالما أن الإنسان يشعر أنه عاجز عن القيام بأمر ما فهذا معناه أنه لم يكتسب نوعية الوعي اللازمة له والتي تمكّنه من تحقيق مراده، ونوعية الوعي تتطلب تنمية وتطوير وتكريس النضج الفكري والنفسي والسلوكي ليصبح لدى الإنسان منظور صائب لرؤية الأمور والتعاطي مع المعطيات، وهذا يتطلب الكثير من المعلومات الصحيحة والمهارات اللازمة للعمل بها، وقد يكون لدى الإنسان منظور عام صحيح كالتفاؤل والإيجابية لكنه يفتقر للمعلومات والمهارات اللازمة لتحويلها من صيغة نظرية إلى واقع عملي، وحتى بالنسبة لعلاج الأمراض العضوية المستعصية فاكتساب الإنسان وعيا جديدا معمقا حول أسباب المرض والصحة تجعله يغير الأسباب الجذرية التي تسببت بالمرض كأنماط الحياة غير الصحية، ولا يوجد حل لمعضلات فرد أو شعب أو العالم ككل إلا بتغيير نوعية الوعي التي خلقت تلك المعضلات، ولذا تقول الحكمة: «إن لم تكن جزءا من الحل -أي بنوعية وعيك- فأنت جزء من المشكلة -بنوعية وعيك-»، ولذا محرك ماكينة التقدم والتطور والإصلاح ليس تكوين الجماعات والعنف والإرهاب والحروب والصراعات، إنما هو التوصل لنوعية الوعي اللازمة لعلاج المشكلات والمعضلات السائدة وتحقيق تصور مثالي ملهم ونشر هذا الوعي عبر مناهج التعليم والإعلام والصحافة والمؤلفات والفنون والثقافة، وبعصرنا الحالي حيث كل معارف العالم تتوفر للإنسان بالمجان بضغطة زر ما عاد لأحد عذر بجهله بنوعية الوعي اللازمة ليجعل نفسه وقومه والعالم أفضل، ففي عالم اليوم لا توجد مشكلة ولا معضلة ولا غاية ولا طموح ولا هدف ليس هناك نوعية وعي مقننة بصيغة مؤلفات وأبحاث ودراسات ومعلومات وخبرات توفر الأساس والقاعدة التي يمكن البناء عليها، ولذا، المصلحون/المجددون هم الذين يتوصلون لنوعية الوعي التي يحتاجها قومهم والعالم وعصرهم، ومن السهل أن يكون الإنسان «صالحا» لأن هذا لا يتطلب منه سوى الامتناع عن السوء والشر والأذية والمحرمات والممنوعات، لكن من الصعب أن يصبح «مصلحا» لأنه يتطلب منه مسيرة لتنمية وتطوير وترقية عقليته ونفسيته وشخصيته ورؤيته من كل وجه والاكتساب المكثف للعلوم والمعارف والفكر والثقافة والخبرات المختلفة ليتوصل من خلالها لبصيرة عن نوعية الوعي اللازمة لإصلاح حال قومه وعالمه، ولا يوجد إصلاح يحصل برفع الشعارات والديباجات الطوباوية/المثالية والخطاب النمطي والوعود واجترار السائد، فالإصلاح والنجاح هو نوعية وعي صائبة ومناسبة، ولذا لا يوجد مصلح/مجدد يكون جاهلا وغافل الوعي، وعندما ينصب الجاهل غافل الوعي نفسه كمصلح يصبح المفسد الأكبر (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ {2/11} أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ {2/12}). وهذا سبب الحروب والإرهاب؛ إن جهلاء نصبوا أنفسهم لمهمة الإصلاح دون معرفة بماهية ما يؤدي للإصلاح بحق، ولذا بالأحاديث النبوية عن الخوارج هناك صفتان غالبتان فيهم؛ الجهل وصغر السن، ولذا من الخطأ أن يتوجه الخطاب العقائدي والسياسي لتحميل الفئات غير المثقفة والمراهقين مسؤولية إصلاح الأمة والعالم لأن افتقارهم لنوعية الوعي التي بها فقط يمكن إحداث الإصلاح بحق يعني أنهم سيلجأون للطريقة الوحيدة التي يجيدها الجاهل الغافل وصغير السن عديم التجربة والخبرة لأنها غرائزية وهي العنف بأنواعه المادية والمعنوية كالغوغائية، فالإصلاح مسؤولية حصرية لأهل الوعي الفكري الثقافي العلمي العملي الموضوعي الذي ثبت صوابه من إثارة الواقعية الإيجابية «من ثمارهم تعرفونهم».