في مقالة منشورة بمجلة «فورين بوليسي» (22 مارس ) حول التطورات الأخيرة للعلاقات السعودية الأمريكية بعد أحداث الحرب الأوكرانية، يذهب صاحب المقالة إلى أن السلطات السعودية، بدل أن تفي بالتزاماتها المتعلقة بتحالفها التقليدي مع الولايات المتحدة، رفضت التنديد بالموقف الروسي وحافظت على ربط الاتصال بحكومة موسكو، ولم تنصع لمطالب إدارة بايدن بزيادة إنتاج النفط لتخفيض أسعاره بعد العقوبات الأخيرة المضروبة على روسيا.
وقد خلص المقال إلى ضرورة معاقبة السعودية على مواقفها الأخيرة، ومراجعة صيغة التحالف التقليدي معها.
ليس من همي تلخيص هذا المقال المليء بالعبارات البذيئة والمستهجنة، وإنما أود أن أقدم أربع ملاحظات أساسية للرد على هذه الأطروحة المنتشرة اليوم على نطاق واسع في الإعلام الأمريكي.
أولاً: إن العلاقات السعودية الأمريكية التي تأسست منذ الخمسينيات في عهد الملك المرحوم عبدالعزيز والرئيس الراحل روزفلت بنيت على المصالح المشتركة، ولم تمنع أبداً طيلة أكثر من نصف قرن احتفاظ السعودية بقرارها المستقل في القضايا الإقليمية والدولية. الأمثلة كثيرة على صحة هذا الرأي، ومن بينها الموقف من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وسياسة الانحياز في عهد الصراع القطبي، انتهاء بموقف المملكة الرافض لسياسات الفوضى والتغيير الراديكالي التي تبنتها إدارة أوباما في العالم العربي. وليس النهج الذي سلكته السعودية في الملف الأوكراني إلا امتدادا لهذه الاستقلالية الثابتة في القرار الديبلوماسي.
ثانياً: من المعروف لدى الجميع أن السعودية من الدول المحورية في سياسة إنتاج وتسويق النفط؛ ولذا فهي تحافظ دوماً على مصالحها المشتركة مع الدول المنتجة للنفط داخل مجموعة أوبك وخارجها. ومن هنا من الطبيعي أن يكون التنسيق عالياً مع روسيا التي هي من البلدان الرئيسية المنتجة للنفط، في الوقت الذي لا تخفي الولايات المتحدة حرصها على كسر أسعار النفط عالمياً، بل والتحضير للقضاء على عصر النفط من خلال البدائل الجديدة للطاقة. وإذا كانت السعودية تحضر في استراتيجياتها المستقبلية لمرحلة ما بعد النفط وتستثمر في الطاقات البديلة، إلا أنها تحرص في الوقت نفسه أن لا يكون هذا الانتقال على حساب مصالح الدول النفطية التي هي في صدارتها.
ثالثاً: لم يعد من السر أن المنظور الاستراتيجي السعودي لم يعد يتلاءم في السنوات الأخيرة مع التوجهات الجديدة للاستراتيجية العالمية الأمريكية التي غدت تركز على المجال الآسيوي والهادئ مع الانسحاب تدريجياً من الشرق الأوسط، كما تسعى لتعويض حلفائها التقليديين في العالم العربي بالقوى الإقليمية غير العربية، ولو اقتضى الأمر الاتفاق مع إيران في الأجندة الشرق أوسطية والتهوين من مخاطر الجماعات الموالية لها التي تعيث فساداً في العالم العربي مثل الحرس الثوري الإيراني وتنظيم الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان..
رابعاً: إن التحولات الداخلية الكبرى التي تعرفها السعودية منذ سنوات واكبتها تغيرات مماثلة في الرؤية الديبلوماسية تقوم على تنويع الشراكات الدولية وفق مصالح المملكة دون الارتهان لطرف بعينه وربط المواقف والسياسات بمردودها الإيجابي وأثرها العملي، بما لا يعني طبيعة الحال التفريط في الثوابت الكبرى ولكن ملاءمتها مع الأوضاع المتغيرة.
إذا فهمت هذا الملاحظات الأربع الأساسية، سهل تفسير الموقف السعودي من الأزمة الأوكرانية الذي يتقيد بالتوازنات الضابطة للسياسة الخارجية السعودية، دون انحياز مسبق أو تصرف انفعالي أعمى.
عمار يا وطن
وقد خلص المقال إلى ضرورة معاقبة السعودية على مواقفها الأخيرة، ومراجعة صيغة التحالف التقليدي معها.
ليس من همي تلخيص هذا المقال المليء بالعبارات البذيئة والمستهجنة، وإنما أود أن أقدم أربع ملاحظات أساسية للرد على هذه الأطروحة المنتشرة اليوم على نطاق واسع في الإعلام الأمريكي.
أولاً: إن العلاقات السعودية الأمريكية التي تأسست منذ الخمسينيات في عهد الملك المرحوم عبدالعزيز والرئيس الراحل روزفلت بنيت على المصالح المشتركة، ولم تمنع أبداً طيلة أكثر من نصف قرن احتفاظ السعودية بقرارها المستقل في القضايا الإقليمية والدولية. الأمثلة كثيرة على صحة هذا الرأي، ومن بينها الموقف من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وسياسة الانحياز في عهد الصراع القطبي، انتهاء بموقف المملكة الرافض لسياسات الفوضى والتغيير الراديكالي التي تبنتها إدارة أوباما في العالم العربي. وليس النهج الذي سلكته السعودية في الملف الأوكراني إلا امتدادا لهذه الاستقلالية الثابتة في القرار الديبلوماسي.
ثانياً: من المعروف لدى الجميع أن السعودية من الدول المحورية في سياسة إنتاج وتسويق النفط؛ ولذا فهي تحافظ دوماً على مصالحها المشتركة مع الدول المنتجة للنفط داخل مجموعة أوبك وخارجها. ومن هنا من الطبيعي أن يكون التنسيق عالياً مع روسيا التي هي من البلدان الرئيسية المنتجة للنفط، في الوقت الذي لا تخفي الولايات المتحدة حرصها على كسر أسعار النفط عالمياً، بل والتحضير للقضاء على عصر النفط من خلال البدائل الجديدة للطاقة. وإذا كانت السعودية تحضر في استراتيجياتها المستقبلية لمرحلة ما بعد النفط وتستثمر في الطاقات البديلة، إلا أنها تحرص في الوقت نفسه أن لا يكون هذا الانتقال على حساب مصالح الدول النفطية التي هي في صدارتها.
ثالثاً: لم يعد من السر أن المنظور الاستراتيجي السعودي لم يعد يتلاءم في السنوات الأخيرة مع التوجهات الجديدة للاستراتيجية العالمية الأمريكية التي غدت تركز على المجال الآسيوي والهادئ مع الانسحاب تدريجياً من الشرق الأوسط، كما تسعى لتعويض حلفائها التقليديين في العالم العربي بالقوى الإقليمية غير العربية، ولو اقتضى الأمر الاتفاق مع إيران في الأجندة الشرق أوسطية والتهوين من مخاطر الجماعات الموالية لها التي تعيث فساداً في العالم العربي مثل الحرس الثوري الإيراني وتنظيم الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان..
رابعاً: إن التحولات الداخلية الكبرى التي تعرفها السعودية منذ سنوات واكبتها تغيرات مماثلة في الرؤية الديبلوماسية تقوم على تنويع الشراكات الدولية وفق مصالح المملكة دون الارتهان لطرف بعينه وربط المواقف والسياسات بمردودها الإيجابي وأثرها العملي، بما لا يعني طبيعة الحال التفريط في الثوابت الكبرى ولكن ملاءمتها مع الأوضاع المتغيرة.
إذا فهمت هذا الملاحظات الأربع الأساسية، سهل تفسير الموقف السعودي من الأزمة الأوكرانية الذي يتقيد بالتوازنات الضابطة للسياسة الخارجية السعودية، دون انحياز مسبق أو تصرف انفعالي أعمى.
عمار يا وطن