لا مراء ولا جدال في أنّ ارتكاب المعاصي والذّنوب والآثام؛ ظلّ قرينًا بالإنسان منذ لحظة هبوطه من نعيم الجنّة إلى مكدحة الحياة وضنكها.. هكذا اقتضت المشيئة الإلهية، بأن يحمل الإنسان أمانة التكليف، بميزة العقل المفاضل بالاختيار بين النّجدين؛ الهداية والضلال؛ وما يتبع هذا الاختيار من عواثر الامتحانات ومشاق الابتلاءات، ومشقّة المدافعة من أجل صون الجوارح عن الوقوع في الشّرور والآثام والموبقات، وهيهات أن يبلغ العصمة في ذلك، طالما بقيت النفّس نزّاعة للهوى، وميّالة لعسل الآثام المزيّن بالغواية المتلاف..
هذا أمر مفهوم ومدرك، وجبلّة استوت فيها الأمم منذ الأزل، ولم تشذّ عنها أمّة عن أخرى، ولهذا أرسل الرُّسل تترى، للتذكير بالهداية والصلاح، والتبشير بالجنّة والرّضا لمن لزم والتزم، والتعريض بالجحيم والثبور لمن أرسل نفسه في مسالك الهوى، ولم يعصمها من الاستمراء في مهالك الذّبوب، ومحارق الآثام..
وما شرعت التوبة من قبل الخالق عزّ وجلّ إلا لسابق علمه الأزلي بحتمية الوقوع في الأخطاء من قبل مخلوقه الضّعيف؛ الإنسان، فكان نهر التوبة موردًا يحجّ إليه الخاطي كلّما أوضر النّفس بالمآثم، وكدّرها بالذّنوب، ليجد الله عند هذه اللّحظة الإنسانية الفارقة قابلاً له، مفيضًا عليه من رحمة الغفران ما يسيل دمع عينيه في معرض الخضوع والإذعان لخالقه والتسليم لمقاليد الأمور، وجريان الأقدار، وفق مشيئة الخالق جلّ في علاه، وتقدّس في ملكوته..
هكذا هي الحياة، تمضي بالنّاس على هذه الوتيرة منذ الأزل، هبوطًا في الفواحش المنكرة، واجتهادًا لا يعصم من اللّمم الخفيف، ولا يقفل باب لتوبة تائب في أمدها المضروب.. وإنّ من العجب العجيب، لمن وعي هذه المقادير الحتمية على الإنسان، أن يدعي لنفسه عصمة، أو لمجتمعه عصمة وطهرانية ملائكية لم تتأتَ حتى لصحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. نعم هذا ما نسمعه اليوم كلما طفت على السطح حوادث منكرة، وشاع أمر فضحية من الفضائح، فيهب «الطهرانيون» هؤلاء لينكروا علنًا بأنّ هذا لم ولن يحدث في مجتمعنا السّعودي، وكأننا بدعًا من البشر، وزمرة من الملائكة المصطفين، فليخفّف هؤلاء من غلوائهم، وليعلموا أنّنا بشر ممّن خلق، نقترف من الآثام والشّرور والفواحش ما الله به عليم، وعلى ستره برحمته جدير، فليرحمونا من هذا الزيف، ويعلموا أننا بشر نخطئ ونصيب، نقع ونقوم، ولسنا ملائكة.
وليعلموا؛ كذلك، أنّهم بادعائهم وإنكارهم هذا إنما يزيدون من تفشّي الفواحش، واستفحالها حتى تبلغ حدّ الظّواهر، فبنكرانهم هذا يهيئون البيئة المناسبة لمقترفيها ليمضوا فيما هم ماضون فيه بأمان الستر، وتحت غطاء الطهرانية الزّائف، وكان الأولى أن يتركوا الأمر لذوي الشأن ليعالجوا الأمر بمقتضيات المعالجة السليمة الآخذة بكلّ الأسباب العلاجية سواء النفسية أو الاجتماعية أو العقابية بما يحجّم من حجم المخاطر، ويردع من يرتدع، ويوقظ ضمير من غفل.. بالاعتراف أولاً ثم المواجهة تعالج الأخطاء والخطايا، بلا ادعاء لطهرانية، ولكلا الحالتين؛ الاعتراف والمواجهة، ضرورات وتقديرات توضع في الحسبان، وجهات تتولى الأمر على منهج من الدراية الباصرة، والحكمة النافذة، والعلم البصير المفضي إلى المعالجة السليمة دون شروخ أو ندوب في جسد المجتمع بعامة، وتتضافر في هذا المنهج جهات عديدة، كل حسب المسؤولية المباشرة التي تليه، وأوّل ما يكون ذلك في الأسرة نفسها، وحتمية النّشأة التي تلجم جماح النّفوس، وتكبح ما استطاعت فورانها في معمعة الخطايا..
إننا في مسيس الحاجة إلى أن نمضي في منهج الاعتراف والمواجهة بأخطائنا إلى أقصى الاحتمالات الممكنة، وتفعيل كل الوسائل الممكنة للتنبيه من مخاطرها، والتركيز على أطر معالجتها، ولا أجد مثل الدراما من مؤثّر فاعل في عالمنا اليوم، فلها تأثيرها الذي لا يخفى، وسطوتها التي تنكر، ولهذا فإن من أوجب الواجبات أن نتيح لأهل الدراما الفرصة ليغوصوا عميقًا في مشاكل مجتمعنا، دون تهيّب أو خوف من سياط التقريع، ومرادع «الطهرانيين»، فلهم في الأحداث التي تحصل في مجتمعنا مادة جاهزة للتناول لا تحتاج إلى كثير عناء في استحلاب الخيال، ولا مظنة اجتهاد في صنع «الحبكة» الجاذبة، فـ«الواقع» بات يفوق الخيال بمراحل، وما على أهل الدراما إلا أن ينقلوه فقط إلى الشاشة، وأنا ضمان لهم الإقبال والمتابعة والتفاعل..
هذا وجه من وجوه التعامل الذي نأمله، والمواجهة التي نبتغيها، غير غافلين دور المؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بكل فئات المجتمع، ودورها المنظور في المعالجة، بتكامل في الأدوار يفضي بنا جميعًا إلى مجتمع قليل الأخطاء ما أمكن، قادر على عبور الحياة بأمان.
والله يهدينا لما فيه الخير. وبلغنا رمضان وهو راضٍ عنا.
هذا أمر مفهوم ومدرك، وجبلّة استوت فيها الأمم منذ الأزل، ولم تشذّ عنها أمّة عن أخرى، ولهذا أرسل الرُّسل تترى، للتذكير بالهداية والصلاح، والتبشير بالجنّة والرّضا لمن لزم والتزم، والتعريض بالجحيم والثبور لمن أرسل نفسه في مسالك الهوى، ولم يعصمها من الاستمراء في مهالك الذّبوب، ومحارق الآثام..
وما شرعت التوبة من قبل الخالق عزّ وجلّ إلا لسابق علمه الأزلي بحتمية الوقوع في الأخطاء من قبل مخلوقه الضّعيف؛ الإنسان، فكان نهر التوبة موردًا يحجّ إليه الخاطي كلّما أوضر النّفس بالمآثم، وكدّرها بالذّنوب، ليجد الله عند هذه اللّحظة الإنسانية الفارقة قابلاً له، مفيضًا عليه من رحمة الغفران ما يسيل دمع عينيه في معرض الخضوع والإذعان لخالقه والتسليم لمقاليد الأمور، وجريان الأقدار، وفق مشيئة الخالق جلّ في علاه، وتقدّس في ملكوته..
هكذا هي الحياة، تمضي بالنّاس على هذه الوتيرة منذ الأزل، هبوطًا في الفواحش المنكرة، واجتهادًا لا يعصم من اللّمم الخفيف، ولا يقفل باب لتوبة تائب في أمدها المضروب.. وإنّ من العجب العجيب، لمن وعي هذه المقادير الحتمية على الإنسان، أن يدعي لنفسه عصمة، أو لمجتمعه عصمة وطهرانية ملائكية لم تتأتَ حتى لصحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. نعم هذا ما نسمعه اليوم كلما طفت على السطح حوادث منكرة، وشاع أمر فضحية من الفضائح، فيهب «الطهرانيون» هؤلاء لينكروا علنًا بأنّ هذا لم ولن يحدث في مجتمعنا السّعودي، وكأننا بدعًا من البشر، وزمرة من الملائكة المصطفين، فليخفّف هؤلاء من غلوائهم، وليعلموا أنّنا بشر ممّن خلق، نقترف من الآثام والشّرور والفواحش ما الله به عليم، وعلى ستره برحمته جدير، فليرحمونا من هذا الزيف، ويعلموا أننا بشر نخطئ ونصيب، نقع ونقوم، ولسنا ملائكة.
وليعلموا؛ كذلك، أنّهم بادعائهم وإنكارهم هذا إنما يزيدون من تفشّي الفواحش، واستفحالها حتى تبلغ حدّ الظّواهر، فبنكرانهم هذا يهيئون البيئة المناسبة لمقترفيها ليمضوا فيما هم ماضون فيه بأمان الستر، وتحت غطاء الطهرانية الزّائف، وكان الأولى أن يتركوا الأمر لذوي الشأن ليعالجوا الأمر بمقتضيات المعالجة السليمة الآخذة بكلّ الأسباب العلاجية سواء النفسية أو الاجتماعية أو العقابية بما يحجّم من حجم المخاطر، ويردع من يرتدع، ويوقظ ضمير من غفل.. بالاعتراف أولاً ثم المواجهة تعالج الأخطاء والخطايا، بلا ادعاء لطهرانية، ولكلا الحالتين؛ الاعتراف والمواجهة، ضرورات وتقديرات توضع في الحسبان، وجهات تتولى الأمر على منهج من الدراية الباصرة، والحكمة النافذة، والعلم البصير المفضي إلى المعالجة السليمة دون شروخ أو ندوب في جسد المجتمع بعامة، وتتضافر في هذا المنهج جهات عديدة، كل حسب المسؤولية المباشرة التي تليه، وأوّل ما يكون ذلك في الأسرة نفسها، وحتمية النّشأة التي تلجم جماح النّفوس، وتكبح ما استطاعت فورانها في معمعة الخطايا..
إننا في مسيس الحاجة إلى أن نمضي في منهج الاعتراف والمواجهة بأخطائنا إلى أقصى الاحتمالات الممكنة، وتفعيل كل الوسائل الممكنة للتنبيه من مخاطرها، والتركيز على أطر معالجتها، ولا أجد مثل الدراما من مؤثّر فاعل في عالمنا اليوم، فلها تأثيرها الذي لا يخفى، وسطوتها التي تنكر، ولهذا فإن من أوجب الواجبات أن نتيح لأهل الدراما الفرصة ليغوصوا عميقًا في مشاكل مجتمعنا، دون تهيّب أو خوف من سياط التقريع، ومرادع «الطهرانيين»، فلهم في الأحداث التي تحصل في مجتمعنا مادة جاهزة للتناول لا تحتاج إلى كثير عناء في استحلاب الخيال، ولا مظنة اجتهاد في صنع «الحبكة» الجاذبة، فـ«الواقع» بات يفوق الخيال بمراحل، وما على أهل الدراما إلا أن ينقلوه فقط إلى الشاشة، وأنا ضمان لهم الإقبال والمتابعة والتفاعل..
هذا وجه من وجوه التعامل الذي نأمله، والمواجهة التي نبتغيها، غير غافلين دور المؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بكل فئات المجتمع، ودورها المنظور في المعالجة، بتكامل في الأدوار يفضي بنا جميعًا إلى مجتمع قليل الأخطاء ما أمكن، قادر على عبور الحياة بأمان.
والله يهدينا لما فيه الخير. وبلغنا رمضان وهو راضٍ عنا.