-A +A
رامي الخليفة العلي
في البداية نحن لسنا معنيين بالشخص بقدر ما نحن معنيون بالتيار والفكرة. معنيون بالتفسير الديني القاصر والتجارة بالدين أكثر من كوننا معنيين بأفكار هذا أو ذاك. هذا التيار الذي يمثله طارق سويدان أصبح على مدى يقارب القرن عبئاً على أكتاف المجتمعات العربية. سويدان وعصبته جرجروا الدين والمؤمنين إلى وحل السياسة وأدخلوه في نزاعات لم يسلم منها المؤمنون، والأخطر أن صورة الدين أصبحت مرتبطة عالمياً بصورة أولئك الذين يحاولون احتكار الحديث باسمه، عندما أدخلوا الإسلام في تفسيرات الهدف منها احتكار الدين والحديث باسم الأمة بما يترجم سيطرة سياسية، فَتحُ ذلك الباب لم يجرِ على الأمة إلا مزيداً من الضياع والتكفير والصراعات التي تبدأ ولا تنتهي، حتى بتنا نرى ديناً يخص عامة المسلمين حيث يناجي العبد ربه ويتقرب إليه بالعبادات والنوافل، وأدياناً أخرى تخضع لتفسير هذا وتعليل ذاك، وفيما بينها حرب ودماء وتكفير، نعم إن الإسلام دين ودنيا، دين يحدد علاقة العبد بربه ودنيا حيث يضع أطراً عامة تنحو باتجاه مقاصد الشريعة، وليس دنياً حسب تفسير حسن البنا أو سيد قطب أو المودودي أو القرضاوي أو البغدادي أو بن لادن..... إلخ.

عندما بدأت موجة ما سمي الربيع العربي هبّت جماعة الإخوان المسلمين محاولة استغلال ما حدث من أجل أن تنتقل إلى مرحلة التمكين كما كان يصفها حسن البنا، وإن كان الأخير يعتقد أنها حلّت منذ نهايات الأربعينات من القرن الماضي! وكما هي العادة حاول منظرو الجماعة وفقهاؤها ركوب الموجة، وهذه هي عادتهم، فعندما كانت الاشتراكية سلعة القوم كتب أحد كبرائهم (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، ثم ما لبث أن انقلب على الجميع عندما اعتبر أننا كمسلمين نعيش (جاهلية القرن العشرين) حسب زعمه، إلا ثلة مؤمنة هي الجماعة ومن يلوذ بها، فأصبح هذا ديدن كل الجماعات المتطرفة التي تعتبر نفسها ومن يلوذ بها هم الفرقة الناجية، وما عداها يتم تكفيرهم. وهكذا في كل مناسبة سياسية يستحضر الدين ويتحول إلى سلعة تباع وتشترى، ألم يتحول استفتاء جرى في مصر إلى غزوة الصناديق؟ صحيح أن الشعوب العربية سرعان ما اكتشفت فشل هذه التيارات وانتهازيتها ومتاجرتها بالدين فلفظتها من قاموسها السياسي والحياتي. وهاهم قادة هذه الجماعة ورموزها يتنابزون بالاتهامات والتخوين وكل يسعى للحفاظ على حصته من دولارات رخيصة. لقد أثبتت السنوات الأخيرة مقدار رخص هؤلاء فهم مستعدون للتحالف مع الشيطان في سبيل الوصول إلى كرسي السلطة، فهذا الذي راح ينسق مع إيران وذاك الذي راح يدعو للجيش التركي ضد جيش بلاده، فتحولت الجماعة إلى عصبة مارقة تسعى طوال الوقت للنيل من بلدانها تحت يافطة المعارضة السياسية. بل أصبحت ذيلاً يتم شراؤه أو استئجاره لهذا الطرف أو ذاك. السيد سويدان أخذته العزة بالإثم فراح يعتذر عما بدا أنه وقفة مع الذات، فراح يؤكد استمراره على النهج الفاشل والفكر الضال، دون الاستفادة من التجربة الماضية. المسألة ليست ثورة تأييداً أو رفضاً، بل الأزمة في المنهج والرؤية والتوجه.