رمضان باعتباره أشبه بدورة تدريب روحية سلوكية يجب أن لا ينحصر في جانب التذكير بأهمية العبادات فقط، حيث يجدر في ظل أحداث واقع المسلمين المؤسف التذكير بما يعالج ما نراه حاليا من فجور كامل من قبل من يدعون حمل شعار الإسلام بزعم أن حملهم لشعار الإسلام يُحل لهم كل مساوئ الأخلاق والسلوك والأقوال والأفعال، وهذا سبب انتشار الإرهاب والعنف بأنواعه وردة فعل الآخرين عليه باضطهاد الإسلام والمسلمين، وما كان يمكن للإرهاب والعنف والتخريب أن ينتشر لولا استحلال الفجور بالخصومة من قبل من يزعمون رفع شعار الإسلام، والفجور هو؛ خرق كل المثاليات الأخلاقية القيمية والسلوكية والقوانين والأنظمة والأعراف، ويكفي للرد على كذبة وباطل أن حمل شعار الإسلام يبيح لصاحبه الفجور بالخصومة التذكير بقول أحد أبرز القادة العسكريين والسياسيين بالإسلام وهو الصحابي «قيس بن سعد بن عبادة» الذي يمتدح بدهائه الأسطوري بالحرب والسياسة قبل الإسلام لكن بعد الإسلام كان يكرر قوله «لولا الإسلام لمكرت مكرا لا تطيقه العرب»، أي لولا التزامه بالمثاليات الأخلاقية الإسلامية لكان استعمل وسائل وخطط مكرا لا يمكن لأحد مجاراته ولا التصدي له، وقال: «لولا أني سمعت رسول الله يقول: (المكر والخديعة فِي النار) لكنت من أمكر هذه الأمة». وعندما ولاه الإمام علي بن أبي طالب على مصر أثناء الفتنة بين الصحابة قال قيس بن سعد: «لولا أن المكر فجور، لمكرت مكرا تضطرب منه أهل الشام بينهم» كتاب «سير أعلام النبلاء» الذهبي. وتمسكه بالمثاليات العليا كان سبب وصوله للمناصب العليا، وعلى سبيل المثال؛ في فتح مكة أعطاه النبي الراية بعد أن نزعها من أبيه سعد لأن سعد قال: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل المحرمة»، فقال النبي «اليوم يوم المرحمة». «قال الواقدي: كان قيس بن سعد أحد دهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحروب.. وقال أنس بن مالك: كان قيس بن سعد من النبي مكان صاحب الشرطة من الأمير» كتاب «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» ابن عبدالبر. لكن هذه المكانة لم تجعله يزعم أنها تبيح له الفجور بالخصومة أي استعمال مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، وامتنع بالحرب والسياسة والسلم عن ما يناقض المثاليات الأخلاقية العليا وإن نقضها الطرف الآخر، فعدالة مبدأ «المعاملة بالمثل» الذي استحل به زاعمو حمل شعار الإسلام الفجور بالخصومة لها محددات أخلاقية مبدئية تحكمها، وأهمها؛ أنه لا تجوز المعاملة بالمثل في ما هو محرم أصلا القيام به، فلا يجوز مثلا اغتصاب زوجة رجل من قبيل المعاملة بالمثل لأن زوجها اغتصب زوجة رجل آخر، وبالمثل لا يجوز إحراق شخص بالنار لأنه أحرق آخر لأن الحرق محرم بنص حديث النبي، بينما داعش وأمثالها تفننوا بتصوير مقاطع إحراق مسلمين أحياء بزعم تطبيق مبدأ «المعاملة بالمثل»، هذا غير استحلال كل أنماط الكذب والاحتيال والسرقة وخيانة العهود والمواثيق -تتمثل حاليا بالتصاريح الرسمية كالتأشيرات والجنسية والإقامة- والقتل للفئات التي لا يجوز قتلها كالنساء والأطفال والمدنيين، وأي فقيه حقيقي بأصول الإسلام والشرع لا يمكن أن يجيز العنف التخريبي والعمليات الإرهابية التي يقوم بها مسلمون، والدليل الواقعي؛ موقف الرجل الثالث بجماعة القاعدة أبو حفص الموريتاني «محفوظ ولد الوالد» وكان الشخص الوحيد الذي يحمل تخصصا بالشريعة في جماعة القاعدة، فمؤسس القاعدة أسامة بن لادن شهادته بكالوريوس اقتصاد، والظواهري الرجل الثاني طبيب، ودرس أبوحفص بمعهد العلوم الإسلامية والعربية في نواكشوط التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وشارك بالقتال ضد السوفيت، اختاره ابن لادن لترؤس هيئة الفتوى بالقاعدة، ووضعت أمريكا مكافأة 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه لكن لاحقا توصلت التحقيقات الأمريكية لصحة ما أعلنه أبوحفص من أنه عارض عمليات 11 سبتمبر 2001 التي قامت بها القاعدة في أمريكا وجميع عمليات القاعدة بالعالم من منطلق مخالفتها للشرع الذي حرم استهداف المدنيين ونقض عهد أمان الدولة التي يدخلونها بالتأشيرات، وانشق عن القاعدة وتركها قبيل 11 سبتمبر لأنها رفضت الامتناع عن العمليات الإرهابية اتباعا لفتواه، ولذا تم إطلاقه بعد القبض عليه، وهو الآن يستنكر ويحرم جميع العمليات الإرهابية للجماعات الإسلامية من منطلق مخالفتها للشرع، ويستنكر إعلانها «الخلافة» وقتال المسلمين بحجتها كما فعلت داعش لمخالفتها للشرع. بالصحيحين (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق.. إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)، الخصال الأربع يقترفها الطامعون بالسلطة من إرهابيين وسياسيين فاسدين، ولذا يتسببون بانهيار دولهم.