-A +A
أريج الجهني
عيدكم مبارك، لعل هذا العيد هو الأجمل على الإطلاق منذ عام 2020 بشكل عام وبعد عودة الكثير من مناشط الحياة لطبيعتها؛ لذا اخترت أن أتحدث عن موضوع آثرت تأجيله منذ ذلك الوقت حيث كان التوتر في ذروته والأنفس مشحونة والعقول قلقة، واليوم مع حملات (التعداد السكاني) أجد أنها فرصة جيدة لطرح قراءة اجتماعية مستقلة عن الزواج عموماً والزواج المتعدد خصوصاً. لا يمكن أن نتجاهل حجم التغيرات الاجتماعية التي تحدث وكيف كانت المرأة (سلعة) تباع وتشترى وتهدى بالمجان في (مجالس الرياجيل) وتحتقن النفوس بين زوجة أولى مغلوبة على أمرها وبين زوجة (دخيلة) في نظرها على حياتها، بل كانت (الضرائر) حتى وقت قريب يسكنّ في ذات المنزل.

في حين يناقش الجميع الطلاق كظاهرة اجتماعية وبالغالب لا يصلون لحلول عملية، فإن نقاش قوالب الزواج الحالية هو ما سيعطينا الفهم العملي للمعالجة. في بداية كورونا وأيام الحجر فإن تجربة الحظر كانت تجربة عملية لتأكيد فكرة أن (صاحب بيتين كذاب) رغم وجود تصريح للمعدد بالتنقل ذلك الوقت، إلا أن فكرة الزواج المدني ليست مجرد (متعة) أو ليلة وتبقى تلك الزوجة تصارع الحياة وحدها وتنجب وتربي وكأن أطفالها أيتام مع وجود التصفيق والتعزيز (أنها بنت رجال) وقوية وأن انتظار هذا الزوج الوقتي هو مصيرها، مع تشبعها بفكرة أن (الإنجاب) هو مربط الفرس من الزيجة. كان هذا الحال ملازماً إلى وقت قريب، بل الكثير من سيدات في سن الأربعين لا يزلن يتقبلن هذا النمط بحجة أنها (انتهت صلاحيتها البيولوجية).


الوعي.. لا يمكن أن نتحدث عن الوعي دون أن نتطرق للدور الاجتماعي (التوقعات) والتحالفات؛ فظهور فتاة ترفض النظرة المتدنية لها داخل عصبة من نساء تشربن (الانصهار) والذوبان في قوالب المجتمع و(أخوات رجال) سيجعلها منبوذة بلا شك، فكيف إذا رفضت البنت شيخ القبيلة أو تاجراً ثرياً؟ وكيف تحارب من تحب شخصاً خارج نطاق (المواخيذ) وتعضل؟. ماذا عن البعد الصحي والنفسي في التعدد؟ وكيف تنازع المرأة شعورها بالاشمئزاز والقهر من معاشرة (رجل حياتها) لامرأة أخرى؟ أنا على يقين أن هذا الشعور قاتل ومقيت لكن لا تتحدث عنه المرأة خشية ألاّ توصم بأنها (عاطفية) وتمرر لها تبريرات (الرجل شهواني، الرجل غريزي ولا يحتاج أن يحب ليتزوج عشرة، الرجل لا يكتفي بشريكة واحدة)، وهكذا تتداول هذه الخطابات وتصبح الأنثى منزوعة القرار. وعليها أن تتقبل (الخيانة الحلال) حتى (لا تخرب بيتها).

أتفهم أنه في كثير من الأحيان يضطر أن يبقي الرجل على شريكته لأي سبب إنساني أو اجتماعي، لكن من المهم أن من تقبل بالتعدد أن تكون على قدر النيران التي ستنطلق في وجهها وستحرقها سواء وحدها أو مع أطفالها عاجلاً أم آجلاً. نعم نحن لسنا بمعزل عن العالم ولسنا بمجتمعات ملائكية والإنسان بحاجة لتهذيب رغباته بما لا يغضب الله وأيضاً بما لا يمس حقوق الآخرين أو يؤذي مشاعرهم؛ لذا تجد الإقبال على الصغيرات بالسن في التعدد هو الأصل ليس فقط للمتعة التي يتحدثون عنها إنما أيضاً لسهولة (عسفها) مقابل صعوبة تقبّل المرأة الناضجة لإيقاع الألم في نفس إنسان أو طرف ثالث. وما يزيد الطين بلة هو (السعار) الواقع في العلاقات مع تطبيقات التواصل الاجتماعي وقد ناقشت أثرها في مقالات عدة في السنوات الماضية.

أخيراً، أنا هنا لا أريد التضييق على أحد أو إشعار أي شخص بالذنب، هي كلمات للوعي فقط وللنظر في التعداد من جانب معنوي وحسي، فكم عدد الأطفال لآباء أحياء لكن لا يعيشون معهم؟، وكم من زوجات يملأن دفاتر العائلة لكنهن معلقات؟ ودون أي حياة زوجية حقيقية؟ وكم عدد الرجال أيضاً الذين وجدوا أنهم تورطوا في زواجات فاشلة ووضعوا أمام ضغط المجتمع لإثبات فحولتهم؟. تعداد نعم، وهذا التعداد مختلف بلا شك، فهو في عصر الرؤية وجودة الحياة، هو في عصر الصوت والصورة والأمن والقوانين الصارمة لحفظ حقوق الأطفال والنساء. فحص ما قبل الزواج لا يجب أن يقف على (سحبة دم) وتحاليل بيولوجية إنما استنطاق الزوجين قبل العقد لأدوارهما وتوقعاتهما بحضور مختص، نعم الكثرة مبهجة لكن كسرة النفس التي تأتي مع سماع أخبار المعددين أو حتى الخائنين مخيبة ولا تعكس أي صحة مجتمعية بل مجرد هوس وشبق وبرستيج على حساب إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال الذين غالباً ما يكون مصيرهم الشارع، وفي أفضل الأحوال في حضن (الناني)، كونوا بوعي.