في بداية الثمانينات من القرن الماضي عندما كنت طالباً بالمرحلة الجامعية، كانت مكافأة الطالب تصرف من خلال فرع لأحد البنوك داخل الحرم الجامعي، وتجنباً للازدحام كنت أُفضل إيداعها في حساب جارٍ باسمي لدى نفس البنك، غير أن ذلك لم ينه معاناتي بالكامل، فعندما كنت أحتاج لسحب أي مبلغ من حسابي حتى لو كان بسيطاً كان الأمر يتطلب وقتها الاصطفاف في طابور طويل لملء استمارة سحب مصرفي، ذلك أن تقنية أجهزة الصراف الآلي لم تكن متاحة في ذلك الوقت.
كانت عملية الإيداع والسحب وسداد الفواتير شاقة، تهدر ما تبقى من يومي الجامعي، ومع توجه البنوك نحو الرقمنة والتعامل الإلكتروني عبر أجهزة الصراف الآلي في بداية التسعينات، تم فعلياً تقليص الوقت المستغرق في إجراء أي عملية بنكية، وعلى الرغم من أن التعاملات البنكية الإلكترونية وقتئذٍ لم تكن بنفس التطور التقني الذي تتميز به اليوم لعدم توفر تقنية الإنترنت، إلا أنها شقت طريقها للانتشار بسرعة وسلاسة، ومع بداية انتشار تلك التقنيات قامت الكثير من البنوك بتقليص فروعها تخفيضاً للتكلفة، وقد أدى ذلك في المقابل إلى تسريح عدد لا يستهان به من العاملين في تلك الفروع.
مع انطلاق ثورة الإنترنت في بداية الألفية الثالثة والتوجه نحو الحكومات الإلكترونية والتعاملات التجارية الإلكترونية عبر التطبيقات المتاحة في أجهزة الهواتف المحمول وغيرها، توجه العديد من المستثمرين نحو التجارة الإلكترونية، وقد قامت تلك المؤسسات التجارية بدورها بإنفاق مبالغ كبيرة جداً لإنشاء بنية تحتية إلكترونية لتوفير خدماتها، لعلمها يقيناً بأن هذا الإجراء سيؤدي إلى تقليص عدد العاملين لاحقاً، وبالتالي توفير تكاليف ضخمة جداً كان يتم إنفاقها في رواتب وحوافز وسكن للعاملين.
من المؤكد أن تزايد نسب البطالة في الكثير من دول العالم مؤخراً هو نتيجة للتحول الرقمي الذي تمر به غالبية المجتمعات حول العالم، أما المسؤولية الاجتماعية للمنظمات الربحية -وإن بدت هدفاً سامياً تلوكه ألسنة المسؤولين فيها- إلا أنها لا تسهم كثيراً في حل الأزمة على نحو جوهري، فالهدف الحقيقي لتلك المنظمات (بل وأهم أهدافها) هو تخفيض التكلفة وبالتالي تعظيم الأرباح قدر المستطاع، والراصد لنسب البطالة في العديد من الدول بما فيها الدول المتقدمة يجد أنها في ازدياد مضطرد، رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها حكومات تلك الدول لتخفيضها.
لم تكن المملكة بعيدة مطلقاً عن هذه التحولات الإلكترونية، غير أن التوجه نحو الحكومة الإلكترونية في المملكة لم يكن الهدف منه توفير التكلفة المتكبدة لدفع رواتب العاملين، بل كان الهدف منه تيسير العمل الحكومي بسهولة ويسر توفيراً لوقت وجهد المواطنين، ولقد شجع هذا التوجه الحكومي القطاع الخاص للاحتذاء بنهج الحكومة والتعامل الإلكتروني مع عملائها أسوة بها.
وعلى الرغم من أن التعاملات الإلكترونية تتطلب وجود كوادر بشرية لإدارة الأنظمة وتشغيل أجهزة الحاسوب والإجابة عن استفسارات المستفيدين والعملاء من الخدمات، إلا أن احتياج هذه المؤسسات للكوادر البشرية يبدو ضئيلاً مقارنة بالتعاملات المباشرة التقليدية، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول كيفية إيجاد حلول لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الخريجين في التخصصات المختلفة في ظل هذا التوجه الإلكتروني، الأمر الذي يلقي بظلاله حول جدوى التعاملات الإلكترونية في حال كونها ستؤدي إلى زيادة مضطردة في معدلات البطالة عاماً بعد عام، خاصة أن معدلات التوظيف السنوية تبدو أقل بكثير من أعداد الخريجين.
في اعتقادي أن التوجه المتزايد نحو الرقمنة يجب أن يوازيه في المقابل اتخاذ إجراءات أخرى لإيجاد حلول للبطالة التي كان أحد أهم أسبابها تبني التعاملات الإلكترونية ذاته، وهي مشكلة كما ذكرت لا تقتصر على دولة بعينها وإنما هي قضية دولية عانت منها الكثير من دول العالم، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التباطؤ في حل هذه القضية سيسهم في رفع نسبة البطالة، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى استفحال الأزمة بشكل قد يزيد من صعوبة حلها فيما بعد.
غير أن هناك العديد من الحلول التي يمكن طرحها للإسهام في تقليل نسب البطالة، لعل أهمها إعادة رسم سياسات التعليم وعلى الأخص تلك المتعلقة بالتخصصات العلمية، فالزيادة في مخرجات المؤسسات التعليمية دون أن يقابلها توازن مع الاحتياجات المطلوبة في سوق العمل سيساهم في تكريس الأزمة أكثر وأكثر، ومن الأهمية بمكان أن تكون التخصصات الجامعية متسقة مع توجهات الحكومة الإلكترونية، كذلك يمكن التوسع في الفرص الوظيفية التي تتطلب تعاملاً مباشراً مع المواطنين كقطاع الأمن والصحة والتعليم، كما يمكن إعادة تأهيل خريجي بعض التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل لمواءمة مهاراتهم مع المهارات المطلوبة في الفرص الوظيفية المتاحة، ومن المؤكد أن هناك العديد من الحلول الأخرى التي قد لا يتسع المجال لسردها في هذا الحيز البسيط، غير أن البدء في التفكير في إيجاد الحلول يعتبر ضرورة حتمية.
كانت عملية الإيداع والسحب وسداد الفواتير شاقة، تهدر ما تبقى من يومي الجامعي، ومع توجه البنوك نحو الرقمنة والتعامل الإلكتروني عبر أجهزة الصراف الآلي في بداية التسعينات، تم فعلياً تقليص الوقت المستغرق في إجراء أي عملية بنكية، وعلى الرغم من أن التعاملات البنكية الإلكترونية وقتئذٍ لم تكن بنفس التطور التقني الذي تتميز به اليوم لعدم توفر تقنية الإنترنت، إلا أنها شقت طريقها للانتشار بسرعة وسلاسة، ومع بداية انتشار تلك التقنيات قامت الكثير من البنوك بتقليص فروعها تخفيضاً للتكلفة، وقد أدى ذلك في المقابل إلى تسريح عدد لا يستهان به من العاملين في تلك الفروع.
مع انطلاق ثورة الإنترنت في بداية الألفية الثالثة والتوجه نحو الحكومات الإلكترونية والتعاملات التجارية الإلكترونية عبر التطبيقات المتاحة في أجهزة الهواتف المحمول وغيرها، توجه العديد من المستثمرين نحو التجارة الإلكترونية، وقد قامت تلك المؤسسات التجارية بدورها بإنفاق مبالغ كبيرة جداً لإنشاء بنية تحتية إلكترونية لتوفير خدماتها، لعلمها يقيناً بأن هذا الإجراء سيؤدي إلى تقليص عدد العاملين لاحقاً، وبالتالي توفير تكاليف ضخمة جداً كان يتم إنفاقها في رواتب وحوافز وسكن للعاملين.
من المؤكد أن تزايد نسب البطالة في الكثير من دول العالم مؤخراً هو نتيجة للتحول الرقمي الذي تمر به غالبية المجتمعات حول العالم، أما المسؤولية الاجتماعية للمنظمات الربحية -وإن بدت هدفاً سامياً تلوكه ألسنة المسؤولين فيها- إلا أنها لا تسهم كثيراً في حل الأزمة على نحو جوهري، فالهدف الحقيقي لتلك المنظمات (بل وأهم أهدافها) هو تخفيض التكلفة وبالتالي تعظيم الأرباح قدر المستطاع، والراصد لنسب البطالة في العديد من الدول بما فيها الدول المتقدمة يجد أنها في ازدياد مضطرد، رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها حكومات تلك الدول لتخفيضها.
لم تكن المملكة بعيدة مطلقاً عن هذه التحولات الإلكترونية، غير أن التوجه نحو الحكومة الإلكترونية في المملكة لم يكن الهدف منه توفير التكلفة المتكبدة لدفع رواتب العاملين، بل كان الهدف منه تيسير العمل الحكومي بسهولة ويسر توفيراً لوقت وجهد المواطنين، ولقد شجع هذا التوجه الحكومي القطاع الخاص للاحتذاء بنهج الحكومة والتعامل الإلكتروني مع عملائها أسوة بها.
وعلى الرغم من أن التعاملات الإلكترونية تتطلب وجود كوادر بشرية لإدارة الأنظمة وتشغيل أجهزة الحاسوب والإجابة عن استفسارات المستفيدين والعملاء من الخدمات، إلا أن احتياج هذه المؤسسات للكوادر البشرية يبدو ضئيلاً مقارنة بالتعاملات المباشرة التقليدية، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول كيفية إيجاد حلول لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الخريجين في التخصصات المختلفة في ظل هذا التوجه الإلكتروني، الأمر الذي يلقي بظلاله حول جدوى التعاملات الإلكترونية في حال كونها ستؤدي إلى زيادة مضطردة في معدلات البطالة عاماً بعد عام، خاصة أن معدلات التوظيف السنوية تبدو أقل بكثير من أعداد الخريجين.
في اعتقادي أن التوجه المتزايد نحو الرقمنة يجب أن يوازيه في المقابل اتخاذ إجراءات أخرى لإيجاد حلول للبطالة التي كان أحد أهم أسبابها تبني التعاملات الإلكترونية ذاته، وهي مشكلة كما ذكرت لا تقتصر على دولة بعينها وإنما هي قضية دولية عانت منها الكثير من دول العالم، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التباطؤ في حل هذه القضية سيسهم في رفع نسبة البطالة، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى استفحال الأزمة بشكل قد يزيد من صعوبة حلها فيما بعد.
غير أن هناك العديد من الحلول التي يمكن طرحها للإسهام في تقليل نسب البطالة، لعل أهمها إعادة رسم سياسات التعليم وعلى الأخص تلك المتعلقة بالتخصصات العلمية، فالزيادة في مخرجات المؤسسات التعليمية دون أن يقابلها توازن مع الاحتياجات المطلوبة في سوق العمل سيساهم في تكريس الأزمة أكثر وأكثر، ومن الأهمية بمكان أن تكون التخصصات الجامعية متسقة مع توجهات الحكومة الإلكترونية، كذلك يمكن التوسع في الفرص الوظيفية التي تتطلب تعاملاً مباشراً مع المواطنين كقطاع الأمن والصحة والتعليم، كما يمكن إعادة تأهيل خريجي بعض التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل لمواءمة مهاراتهم مع المهارات المطلوبة في الفرص الوظيفية المتاحة، ومن المؤكد أن هناك العديد من الحلول الأخرى التي قد لا يتسع المجال لسردها في هذا الحيز البسيط، غير أن البدء في التفكير في إيجاد الحلول يعتبر ضرورة حتمية.