-A +A
حسين شبكشي
التقيت بأحد زملاء الدراسة ولم أكن قد التقيته منذ فترة غير قليلة من الزمن، وتبادلنا أطراف الحديث المتوقعة عن الأحوال والأعمال والصحة والأنجال، وبدأنا في مراجعة لمحطات الحياة المختلفة وما حصل فيها من دروس وعبر يمكن الاستفادة منها ومناولتها للأجيال القادمة للتدبر والتمعّن فيها.

وفوجئت بصديقي يتنهد بصوت عال ويقول على فكرة كل ما تم تلقينه لنا من حكم وأقوال كانت مثالية للغاية ولا علاقة لها بأرض الواقع، وهذا بالتالي يكون مدخلا متوقعا للاكتئاب والإحباط واليأس.


وطلبت منه توضيح ما يقصده حتى أفهم ما يقول. فقال لي مثلا لو حبيبك عسل الحسه كله، مسألة عادية جدا وأشبع منه لأنك ببساطة شديدة لست ضامنا لعمرك. وابتسم وقال لي اسمح لي أن أوضح أكثر، قالوا لنا إن الضحك بدون سبب هو قلة أدب.. والحقيقة أن هذا الكلام هراء تام، فلا مانع من الضحك بلا سبب بل على العكس تماما فإن النكد بلا سبب هو أكبر أنواع قلة الأدب.

وعندما تلسع وتنحرق من الشوربة عليك بالنفخ في الشوربة، وليس الزبادي، فالزبادي لا علاقة له بالموضوع، فلا يمكن أن تكون متضررا من اللسعة وغبيا في نفس الوقت، وإذا قالوا لك فات الكثير ولم يتبق إلا القليل أجبهم بأن الباقي هو كثير أيضا لو أحسن استغلاله.

والقطط لا تحب خنّاقها، استحلفك بالله، إذا كان هناك من يخنق القط لماذا ستحبه؟!

والذي طلب العلا لم يسهر ليالي ولا غيره، وإذا لم تصدقني أنظر حولك سترى عشرات النماذج التي تؤيد وتؤكد كلامي. ومن كان عقله في رأسه لم يعرف خلاصه أبدا بل على العكس تماما لأنه عندما أعمل وشغل عقله زاد الطين بلة، قالوا لنا قديما إن «لكل مجتهد نصيب»، والحقيقة أن لكل «منافق ونصاب نصيب».

والذين قالوا لنا إن الظفر لا يخرج من اللحم لا يعيشون بيننا هذه الأيام لأنه يطلع من اللحم بشكل عادي جدا وسهل للغاية.

فتحت كلمات صديقي الانفعالية موضوعا مؤلما في ذهني وهو هل رفع درجات المثالية في النهج التربوي وما يتبعه من قيم وحكم وأمثال نحاول أن نزرعها في الأطفال منذ الصغر تجعلهم غير مؤهلين لمواجهة قسوة الحياة وصعوباتها وإحباطاتها. تركت صديقي وأنا أعتقد أن صدمته في الحياة كانت نتاج ذلك.

مدرسة الحياة لا تتأخر في تقديم دروسها بمختلف أشكالها وأنواعها، وكلما كانت جاهزية من يعيش فيها للتعامل مع متناقضاتها كلما كان ذلك صحيا وأخف ضررا وأقل خداعا للذات.