-A +A
نجيب عصام يماني
في خبر أوردته «عكاظ» أن هناك 9 ملايين شخص في العالم قتلهم التلوث ونوعية الهواء المتردية والملوثات الكيميائية أبرزها الرصاص بناء على دراسة أعدها الباحث ريشارد فولر مجلة «ذي لانست» وهي تؤدي إلى أمراض خطيرة في القلب، إضافةً إلى إصابات بالسرطان ومشكلات تنفسية وإسهال حاد، مضيفاً أن الآثار على الصحة لا تزال هائلة بسبب تلوث الهواء والمنتجات الكيميائية..

وقفت أمام هذا الخبر، وتراءت أمامي صوراً عديدة لتلوث الهواء والمكان في مدينة جدة وما يسببه ذلك التلوث من أمراض تصيب الإنسان وتنغّص عليه حياته وتهدر بسببها الأموال الطائلة للعلاج وتنتزف الطاقة الاستيعابية للمستشفيات، وتجنح بنا بعيداً عن شواطئ الرؤية الطموح.


الصورة الأولى حاويات الزبالة المنتشرة في الأحياء السكنية أمام المنازل والعمائر وفي الشوارع وأمام المطاعم وهي حاويات قبيحة المنظر مفتوحة على مصراعيها لا غطاء يستر ما بداخلها أو عازل يمنع الحشرات والهوام عنها، يُرمى فيها كل شيء من طعام وشراب وبقايا لحوم وأسماك وزيوت وخضار وموائد المناسبات وفواكه وملابس وأدوية منتهية الصلاحية، إضافةً إلى المخلّفات الآدمية من حفائض للصغار وفوط صحية تستخدمها النساء وغيارات المرضى والعاجزين حتى الحيوانات النافقة تلقى لها مكاناً في هذه الحاويات.

تقضي بداخلها القطط والفئران حاجاتها البيولوجية وتتمتع بوجبات يومية دسمة حتى أصبح الفأر في حجم القطة.

هذه الحاويات المفتوحة تقتات عليها القطط السائبة والكلاب الضالة وفئران جدة المهاجرة من العشوائيات تتقاسم مع الغربان الطعام والشراب وكل ما تشتهيه أنفسهم وأحياناً تستضيف الحدأة، فالخير كثير والسلام بينهم قائم وأمام حاويات يلقى فيها ما لذ وطاب منيو عامر بالخيرات، مما يساعدهم على البقاء والتكاثر والتمتّع بالصحة والعافية.

تأتي إلى هذه الحاويات شاحنات ضخمة تمسكها من أسفلها وترفعها إلى الأعلى تشدّها إليها تضمها إلى صدرها بقوة وتعصرها بشدة تضغط عليها بعنف مبالغ، فتسيل منها عصارة لزجة ثقيلة على الأرض وجزء من الرصيف بقع كبيرة ملوثة بأنواع كثيرة من الميكروبات المعوية البرازية والمكورات العنقودية والرصاص والتي تتسبّب في الأمراض المعدية مثل الالتهاب الرئوي والحكة والحميات وأمراض القلب والسرطان

تبقى هذه البقعة على الأسفلت تكبر مع الأيام وتزيد مساحتها بمرور الشاحنة اليومي وعملية الالتحام والضم والعصر والتي تمارسها مع الحاوية فتتلون الأرض بلون أسود داكن تحوم عليها الهوام والحشرات غابة من الذباب والناموس تمص من هذه المخلّفات السائبة حد الامتلاء ثم يطير مُنتشياً بحمولته فيصيب الإنسان القاعد في بيته والماشي على رجله يقع على طعامه وشرابه وجلده وعيونه يلوّث الهواء ويساعد على نقل الأمراض، مسبّباً كوارث وأمراضاً وتلوّثاً بصرياً وروائح كريهة لا تطاق.

يزداد الأمر سوءاً عند المطاعم ومحلات السوبرماركت والبقالات الصغيرة. هذه الحاويات المكشوفة قد تكون الوحيدة من نوعها في العالم وتُستخدم في شوارعنا وتُجبى إليها فضلات كل شيء، وهي لا زالت قائمة وموجودة بسوادها وبشاعة منظرها وتلوّث أطرافها وجميع أمراضها.

لا صيانة عليها ولا نظافة ولا تعقيم استنشاق أبخرتها خطر على الصحة العامة لما يحويه من رصاص بعد تفاعله داخل الحاويات مع حرارة الجو ليستقر في الكبد والكليتين وفي العظام والأسنان والمخ.

الصورة الأخرى لتلوُّث مدينة جدة هي شجرة البزروميا بمنظرها الغريب وسمتها الكريه وقد سدّت منافذ الهواء ومسارب الشمس ومساقط الضوء، عانقت أعمدة الكهرباء وتسلّقت فوقها وتوحّدت فيها فكسرت فوانيسها وحجبت نورها وغيّرت اتجاهها أعمدة خرساء لا فائدة منها فكأنها وجُدت لتسهيل نمو شجرة البزروميا ولتبني فيها الغربان والخفافيش والطيور أعشاشها غطّته بريشها ولوّنته بفضلاتها وبقايا طعامها وصغارها، فكل عامود ملطخ بأوساخها وبعض بقاياها يحمله الهواء إلينا ونستنشقه ونملأ صدورنا لنصاب بالجيوب الأنفية واحمرار العيون والحساسية طوال العام.

تطرح شجرة البزروميا كرات صغيرة كثمرة لها رائحة كريهة (فالذي خبث لا يخرج إلّا نكداً) يتجمع عليها الذباب والحشرات والهوام تحيل هذه البذور خضرة الشجرة إلى لون بني داكن تسقط على الأرض تختلط مع الأوراق الناشفة تتعفن معها تذروها الرياح من مكان لآخر تدخل الأنوف وتستقر في جيوبها وفي العيون وتسبّب لها حرقة واحمرار مسبّبة الحساسية للشعب الهوائية، تخرج من هذه الشجرة غازات تنتشر في الجو تنشّط الخلايا السرطانية بالجسم البشري، ترتاح أوراقها الناشفة وثمرتها الفاسدة بين الأرصفة المكسّرة بسببها وحفر الشوارع المنتشرة وتختلط بمياه الصرف الصحي وبقايا مياه غسيل السيارات والذي يمارسه السائقون أمام المنازل دون حياء ولا زالت هذه الشجرة البغيضة تتنمر وتتوحش وتتطاول حتى أتت على كل جميل في العروس، ومسؤولو الأمانة إذنٌ من طين وأخرى من عجين، فلا الحاويات تستفزهم ولا البزروميا تزعجهم.

ليت الأمين صالح يغير هذا الواقع ويأمر بقص الشجرة المدللة وتنسيقها ويتيح لأعمدة الإضاءة أن تنور الشوارع المظلمة ويشوف لنا حاويات ذكية مغطاة ويغرم من يستخدم الشارع لغسيل السيارات ويزيل الأغطية القماشية (المظلات) من أمام البيوت،

العشوائيات أزيلت فلتعيش جدة جودة الحياة.