-A +A
عبداللطيف الضويحي
تتقزم أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر وتتقادم بعد كل أزمة يمر بها العالم، حتى يبدو أن بعض تلك الأهداف وكأنه لا يمتّ للواقع بصلة لسرعة المتغيرات، رغم أن تلك الأهداف ولدت وتبلورت ما بين 2015 إلى 2016، أي منذ ما يقارب ست سنوات.

منذ أن صدرت أهداف التنمية المستدامة سنة 2016 ومؤشراتها العامة لا تحرز تقدماً أو تحسناً معتبراً للعديد من مناطق العالم ودوله بل إنها تدهورت وازدادت سوءاً في مناطق كثيرة. فالفقر والجوع والأوبئة والأمية والبطالة واللاجئون والنازحون وتجارة البشر في تفاقم وتزايد غير مسبوق، أما الحروب والنزاعات في أوجها ومرشحة للمزيد في ظل شح الموارد وعدم احترام القوانين الدولية، أما التصحر والجفاف والعطش والتغير المناخي وأزمات البيئة فتضرب في البحر والبر وفي كل دول العالم.


فهل تخفق أهداف التنمية المستدامة في احتواء بعض التحديات الوجودية والإستراتيجية للبشرية؟ وهل تُعزى الأسباب بذلك إلى أن أهداف التنمية المستدامة جاءت متأخرة كثيراً وبعد فوات الأوان؟ وهل يعود سبب الإخفاقات إلى أن الدول القوية لا تحترم ولا تكترث بأهداف التنمية المستدامة، بينما الدول الضعيفة لا تستطيع ولا تملك القدرة على تحقيق تلك الأهداف؟ أم أن الأزمات الاستثنائية التي مر بها العالم منذ صدور أهداف التنمية البشرية مثل كورونا وأوكرانيا، شلت قدرات الدول على متابعة برامج التنمية وحرّفت مساراتها نتيجة لتغير الأولويات؟

لقد كشفت جائحة كورونا ومحنة أوكرانيا بجلاء ودون مواربة الخلل الكبير في النظام العالمي، كما كشفت فقر أهداف التنمية المستدامة والحاجة الماسة لمراجعتها وإعادة قراءتها، بل وكشفت عن الحاجة الماسة لجدولة مراجعة تلك الأهداف دورياً بصرف النظر عن الأزمات العالمية!

في ظني أن قضية اللجوء والهجرة سوف تصبح القضية الأولى التي عرفتها البشرية وسوف تصبح كل أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر مستقبلاً رغم أهمية كافة القضايا التي اشتملت عليها أهداف التنمية المستدامة. سوف تقفز قضية اللجوء إلى رأس القائمة، وفي ظني أن منظمات الأمم المتحدة للتنمية سوف تتحول إلى منظمات إغاثة ومنظمات طوارئ، إذا لم يتم تدارك الأمر وإعطاؤه ما يستحق من اهتمام.

فأرقام اللاجئين والمهاجرين في الوقت الحالي فوق السيطرة وخارج الاحتواء، ثانياً أن الدول التي تعد تقليدياً ملاذاً للاجئين ضاقت باللاجئين وأصبحت تفرض قيوداً وسياجات على المهاجرين واللاجئين وتمنع وصولهم، ثالثاً أن جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر ينطوي عدم الأخذ بها ومراعاتها في خطط التنمية على هجرات جماعية كبيرة متوقعة سيشهدها العالم بسبب التغير المناخي والجفاف والتصحر وشح المياه وتدهور البيئة، والتي هي الأخرى بالمزيد من الحروب والصراعات بسبب شح الموارد وهذا محرك آخر من محركات الهجرة واللجوء، ناهيك عن صناعة الأوبئة والحروب الجرثومية التي أصبحت إحدى أدوات الرأسمالية المستحدثة في يد القوى العظمى.

كل هذه التحديات وغيرها تدفع بالسكان للهجرة واللجوء، ناهيك عن الفقر والبطالة والمجاعات والصراعات التقليدية داخل البلد الواحد أو صراعات بين الدول. فهذا ما يحتم على الأمم المتحدة ومنظماتها أخذ الأمر بجدية واستقلالية وتعيد قراءة أهداف التنمية المستدامة ومراجعتها في ضوء المخاطر التي ستدفع جيوشاً من المهاجرين واللاجئين فيما لو استمرت مستهدفات التنمية المستدامة دون تحقيق.

موضوعياً وبصرف النظر عن أهداف التنمية المستدامة، هناك تساؤلات لا بد من طرحها والإجابة عنها استباقياً من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها: هل يمكن التعويل على منظمات الأمم المتحدة الحالية المعنية باللجوء والهجرة مستقبلاً للتعامل مع المزيد من اللاجئين والمهاجرين؟ هل لدى تلك المنظمات تصور عن حجم اللجوء فيما لو لم يتم احتواء التغير المناخي وتدهور البيئة في العالم؟ وهل لدى هذه المنظمات تصور عن حجم الصراعات التي ستنشأ نتيجة للتغير المناخي وتدهور البيئة وما سينتج عن تلك الصراعات من أعداد لاجئين ومهاجرين؟ هل ستتعامل تلك المنظمات مع اللاجئين والمهاجرين حينها بنفس الطريقة والروتين والرتابة الذي تعاملت به تلك المنظمات منذ الحرب العالمية الثانية من مخيمات وخيم؟ هل يمكن التنبؤ بمناطق اللاجئين مستقبلاًص بسبب المناخ والبيئة والصراعات وأين تكون وجهاتهم في ظل تنامي كل تلك الظواهر في كل مكان؟ هل يستدعي الأمر تشريعات أممية ووطنية للتعامل مع اللاجئين والمهاجرين من هذا النوع؟ هل تتحول منظمات الأمم المتحدة الإنمائية إلى منظمات إغاثة؟ وهل يمكن أن تدار الأمم المتحدة ومنظماتها بإدارة الأزمة؟