لطالما حلُمَ إخوانُ السعودية بإنجاب شخصية كاريزماتية تكون سهمهم الرابح في بحثهم الطويل عن تقويض الدولة والقفز على كرسي الحكم، تأسس ذلك «الحلم» منذ نشوء التنظيم على إيدي إخوان الزبير وإخوان الحجاز أواسط الستينات بدعم من إخوان مصر وسوريا والعراق، حتى أسامة بن لادن عضو التنظيم والرجل الذي تبنى العمليات القتالية لصالح الإخوان لم يقنعهم؛ فبحثوا عن شخص يشبههم أكثر ويرون فيه أنفسهم وتفاصيلهم اليومية، فكان «عبدالله المحيسني» اختيارهم، الذي ثبت فشله الذريع بالرغم من حصوله على دعمهم المالي وترويجهم الدعائي.
لم يكن سعد الفقيه ومحمد المسعري إلا رأس جسر حاول إخوان السعودية زراعتهما في الغرب لأخذ الشرعية الدولية كما تصورتها «العصابة» التي تنقلت بين بريدة والرياض بين 1980 إلى 1993م، ممتدة إلى جدة وأبها والخبر والمدينة المنورة، لتشكل مراكز صناعة وتفريخ الكوادر، التي بقيت فاعلة حتى صدر قرار تجريم الإخوان وتصنيفهم تنظيماً إرهابياً عام 2014 ليعودوا للاختباء خلف أشكال ووظائف جديدة.
دعونا نعود لأواسط الثمانينات وأول التسعينات حينما كان الإخوان يصدرون الأشرطة الحماسية -على خطى عبدالحميد كشك المصري والخميني الإيراني- في سعيهم للسيطرة على الشارع وفرض رؤيتهم وأجندتهم على الجميع، لقد كان الكاسيت سلاح الخميني في الوصول للسلطة في طهران، وحاول سلمان العودة وحلفاؤه فعل ذلك.
سريعاً انطلق العودة أو من وصف لاحقاً بـ«خميني بريدة» ورفاقه محرضين ضد الجيوش الأجنبية التي تدفقت عام 1991 على الصحارى السعودية بمشاركة عربية وإسلامية لتحرير الكويت، متهمين الدولة بجلب المشركين إلى جزيرة العرب، ولعل أشرطة ومحاضرات «أسباب سقوط الدول»، و«صانعو الخيام»، و«لسنا أغبياء»، و«فروا إلى الله»، هي جزء من مشهد تصعيدي كبير اتخذه الإخوان ضد الدولة والتأليب عليها شعبياً، لكنهم فشلوا أمام صلابة القواعد الشعبية الملتفة حول باب الحكم السعودي.
وبالرغم من الخطاب الحماسي الذي ألهب التابعين إلا أن العودة نسي أو لنقل تناسى أن يلقن تلك التعاليم لابنه عبدالله في كتاتيب بريدة، وهي عادته في الفصل بين أحبابه وأحباب الآخرين، ولعل قضية توسطه لمنع ابنه من الذهاب إلى سوريا للقتال خير دليل.
كانت حرب الخليج عام 90 تجربة قاسية ومحكاً عسيراً على الجميع، أدارت الدولة التحدي بثقة عالية ومهارة ودهاء قل نظيره، ونجحت أخيراً في هزيمة العدو الخارجي والداخلي بالضربة القاضية، لعل من المهم فهم تأثيرات أزمة الخليج على الشارع المحلي، كونها هي من ضخت الحماسة في الإخوان وجعلهم يتخذون مواقف متهورة دفعوا ثمنها غالياً فيما بعد، أما لماذا غالياً؟ فلأنهم خرجوا من المشهد وصنفوا إرهابيين بعدما كانوا ملء السمع والبصر، فقد كانوا انقلابيين حتماً، ولم يكونوا مجرد أصحاب آراء كما يدعون، والعمليات القتالية في المدن السعودية 1995، وبين 2003-2005 خير دليل، فتخيلوا أن الوقت قد حان لقطف ثمار الكاسيت والخطب الحماسية ومهاجمة الدولة بحثاً عن مشاركة الحكام حكمهم.
تعاليم الإخوان عن قتال «الصائل» وإخراج الكفار والمشركين والغربيين العاملين في السعودية استطاعوا ترويجها بين العامة بدعم من قادة الإخوان حول العالم وعلى رأسهم القرضاوي، ولاقت للأسف تعاطفاً لكنها أثبتت نفاقهم بعدما انتقلت القواعد لأراضٍ أخرى لم ينتقدوها.
اليوم وبعد أكثر من 30 عاماً نسي «عبدالله العودة» دعوة والده -المزورة- لدفع الصائل وإخراج الكفار من جزيرة العرب، وبدلاً من ذلك ذهب محتضناً قادتهم وأفكارهم الشاذة، لدرجة أنه وفي لقاء تلفزيوني شهير مع محطة أمريكية، اعترف بالمثلية والمثليين ودعا إلى تفهمهم، يا لها من ثلاثة عقود قصيرة في عمر الزمن لكنها كشفت كيف أن الإخوان المسلمين هم في حقيقة الأمر إخوان لكل عدو وحلفاء لكل صائل في رحلتهم الطويلة للاستيلاء على الحكم.
على خطى إخوان الثمانينات والتسعينات الميلادية يحاول العودة الصغير أن يكون رأس حربة المشروع الإخواني من جديد، بعدما فشل الهاربان -المسعري والفقيه-، وأصبح شباب الإخوان يتقدمون الصفوف يلومون قادتهم ويدعون قدرتهم على تحقيق ما فشل فيه آباؤهم المؤسسون.
الاختلاف بين العودة الكبير والصغير واسع جداً، فالكبير أكثر ذكاء ودهاء كثعلب في تصرفاته وانعطافاته الحادة التي حملها في جلابيبه طوال عقود قبل أن ينكشف في آخر مشواره، بينما الغر الصغير باهت بلا شخصية بملامح بلهاء وعيون مذهولة يقتات على إرث والده ودعم التنظيم الدولي فقط، وهو لا يقل تفاهةً عن المسعري والفقيه وأحمد بن راشد بن سعيد، كلهم مجرد نسخ رديئة من متطرفين ماضويين ولكن بياقات بيضاء وكرفتات غربية.
عبدالله العودة الذي عزله والده عن محيطه الثوري، يبدو كمن هبط بالباراشوت على العالم الواقعي، فلا «خرجات» الإخوان في مزارع بريدة صقلته، ولا حفلات عيد ميلاد أبيه علمته البرغماتية، وبدلاً من قتال الصائل وإخراج المشركين من جزيرة العرب، كما روج الإخوان ذات يوم، أضحى يدعو المشركين والمثليين لجزيرة العرب.
العودة الصغير يقدم نفسه كليبرالي متأسلم، وكقائد شاب للإخوان، فلا هو الليبرالي ولا هو صاحب الكريزما، لكنه خلف وراءه الكثير من الإخوان «الإداريين» الذين يختبئون في زوايا العمل والهيئات والمؤسسات العامة في كثير من الدول، ويعملون على تمكين بعضهم البعض، والتقدم ككتلة صلبة صامتة -لليوم الموعود-، وهم أخطر من عبدالله العودة ولقاءاته في الغرف الخلفية للبيت الأبيض.
لم يكن سعد الفقيه ومحمد المسعري إلا رأس جسر حاول إخوان السعودية زراعتهما في الغرب لأخذ الشرعية الدولية كما تصورتها «العصابة» التي تنقلت بين بريدة والرياض بين 1980 إلى 1993م، ممتدة إلى جدة وأبها والخبر والمدينة المنورة، لتشكل مراكز صناعة وتفريخ الكوادر، التي بقيت فاعلة حتى صدر قرار تجريم الإخوان وتصنيفهم تنظيماً إرهابياً عام 2014 ليعودوا للاختباء خلف أشكال ووظائف جديدة.
دعونا نعود لأواسط الثمانينات وأول التسعينات حينما كان الإخوان يصدرون الأشرطة الحماسية -على خطى عبدالحميد كشك المصري والخميني الإيراني- في سعيهم للسيطرة على الشارع وفرض رؤيتهم وأجندتهم على الجميع، لقد كان الكاسيت سلاح الخميني في الوصول للسلطة في طهران، وحاول سلمان العودة وحلفاؤه فعل ذلك.
سريعاً انطلق العودة أو من وصف لاحقاً بـ«خميني بريدة» ورفاقه محرضين ضد الجيوش الأجنبية التي تدفقت عام 1991 على الصحارى السعودية بمشاركة عربية وإسلامية لتحرير الكويت، متهمين الدولة بجلب المشركين إلى جزيرة العرب، ولعل أشرطة ومحاضرات «أسباب سقوط الدول»، و«صانعو الخيام»، و«لسنا أغبياء»، و«فروا إلى الله»، هي جزء من مشهد تصعيدي كبير اتخذه الإخوان ضد الدولة والتأليب عليها شعبياً، لكنهم فشلوا أمام صلابة القواعد الشعبية الملتفة حول باب الحكم السعودي.
وبالرغم من الخطاب الحماسي الذي ألهب التابعين إلا أن العودة نسي أو لنقل تناسى أن يلقن تلك التعاليم لابنه عبدالله في كتاتيب بريدة، وهي عادته في الفصل بين أحبابه وأحباب الآخرين، ولعل قضية توسطه لمنع ابنه من الذهاب إلى سوريا للقتال خير دليل.
كانت حرب الخليج عام 90 تجربة قاسية ومحكاً عسيراً على الجميع، أدارت الدولة التحدي بثقة عالية ومهارة ودهاء قل نظيره، ونجحت أخيراً في هزيمة العدو الخارجي والداخلي بالضربة القاضية، لعل من المهم فهم تأثيرات أزمة الخليج على الشارع المحلي، كونها هي من ضخت الحماسة في الإخوان وجعلهم يتخذون مواقف متهورة دفعوا ثمنها غالياً فيما بعد، أما لماذا غالياً؟ فلأنهم خرجوا من المشهد وصنفوا إرهابيين بعدما كانوا ملء السمع والبصر، فقد كانوا انقلابيين حتماً، ولم يكونوا مجرد أصحاب آراء كما يدعون، والعمليات القتالية في المدن السعودية 1995، وبين 2003-2005 خير دليل، فتخيلوا أن الوقت قد حان لقطف ثمار الكاسيت والخطب الحماسية ومهاجمة الدولة بحثاً عن مشاركة الحكام حكمهم.
تعاليم الإخوان عن قتال «الصائل» وإخراج الكفار والمشركين والغربيين العاملين في السعودية استطاعوا ترويجها بين العامة بدعم من قادة الإخوان حول العالم وعلى رأسهم القرضاوي، ولاقت للأسف تعاطفاً لكنها أثبتت نفاقهم بعدما انتقلت القواعد لأراضٍ أخرى لم ينتقدوها.
اليوم وبعد أكثر من 30 عاماً نسي «عبدالله العودة» دعوة والده -المزورة- لدفع الصائل وإخراج الكفار من جزيرة العرب، وبدلاً من ذلك ذهب محتضناً قادتهم وأفكارهم الشاذة، لدرجة أنه وفي لقاء تلفزيوني شهير مع محطة أمريكية، اعترف بالمثلية والمثليين ودعا إلى تفهمهم، يا لها من ثلاثة عقود قصيرة في عمر الزمن لكنها كشفت كيف أن الإخوان المسلمين هم في حقيقة الأمر إخوان لكل عدو وحلفاء لكل صائل في رحلتهم الطويلة للاستيلاء على الحكم.
على خطى إخوان الثمانينات والتسعينات الميلادية يحاول العودة الصغير أن يكون رأس حربة المشروع الإخواني من جديد، بعدما فشل الهاربان -المسعري والفقيه-، وأصبح شباب الإخوان يتقدمون الصفوف يلومون قادتهم ويدعون قدرتهم على تحقيق ما فشل فيه آباؤهم المؤسسون.
الاختلاف بين العودة الكبير والصغير واسع جداً، فالكبير أكثر ذكاء ودهاء كثعلب في تصرفاته وانعطافاته الحادة التي حملها في جلابيبه طوال عقود قبل أن ينكشف في آخر مشواره، بينما الغر الصغير باهت بلا شخصية بملامح بلهاء وعيون مذهولة يقتات على إرث والده ودعم التنظيم الدولي فقط، وهو لا يقل تفاهةً عن المسعري والفقيه وأحمد بن راشد بن سعيد، كلهم مجرد نسخ رديئة من متطرفين ماضويين ولكن بياقات بيضاء وكرفتات غربية.
عبدالله العودة الذي عزله والده عن محيطه الثوري، يبدو كمن هبط بالباراشوت على العالم الواقعي، فلا «خرجات» الإخوان في مزارع بريدة صقلته، ولا حفلات عيد ميلاد أبيه علمته البرغماتية، وبدلاً من قتال الصائل وإخراج المشركين من جزيرة العرب، كما روج الإخوان ذات يوم، أضحى يدعو المشركين والمثليين لجزيرة العرب.
العودة الصغير يقدم نفسه كليبرالي متأسلم، وكقائد شاب للإخوان، فلا هو الليبرالي ولا هو صاحب الكريزما، لكنه خلف وراءه الكثير من الإخوان «الإداريين» الذين يختبئون في زوايا العمل والهيئات والمؤسسات العامة في كثير من الدول، ويعملون على تمكين بعضهم البعض، والتقدم ككتلة صلبة صامتة -لليوم الموعود-، وهم أخطر من عبدالله العودة ولقاءاته في الغرف الخلفية للبيت الأبيض.