-A +A
محمد الساعد
القصة الشعبية «الجميلة والوحش»، تذكرني دائماً بوضع أوكرانيا وعلاقتها بالوحشين الدب الروسي والغول الأمريكي، كيف لا.. وقدرك أن تكون دولة جميلة وصناعية ومتقدمة وعندك المواهب والخيرات والابتكار والقدرة على الإبداع، ليس ذلك فحسب بل وهي تمتلك أيضاً الموارد الزراعية والمائية والطاقة النادرة في عالم مليء بالصراعات والجوع والفقر، وأن يكون موقعك الجغرافي ذهبياً لدرجة أنه من دونك لن يستطيع الرجل الغربي أن يتحمم في صباح شتاء قارس إلا بعد مرور الغاز من بلدك، ولن يستطيع مصري بسيط أن يأكل رغيفه المدعوم إلا إذا صدّرت القمح إليه، وأن تستطيع عجوز سعودية أن تغفو مرتاحة إلا بعد وصول مكونات الأنسولين من أوكرانيا، عندها ستكون مطمعاً للدول بل واستهدافها لإسقاطك وإفشالك.

يا لهذا القدر الجميل والسيئ في الوقت نفسه، فأحياناً عندما تصبح لديك كل الإمكانيات تصبح مغرياً أكثر لأعدائك وخصومك، وبدلاً من أن تتفرغ لتطوير بلادك وتستمتع بما لديك، تصبح حياتك مسخرة لحماية نفسك وما وهبه الله لك من حسد الحاسدين وطمع الطامعين.


قدر أوكرانيا في الجغرافيا السياسية مخيف جداً، فهي باب من درفتين، تطل على الشرق بعيون متوجسة؛ فالجار دب روسي متحسس جداً، وتطل على الغرب بعيون متحمسة للحاق بجاراتها الأوروبيات، بالرغم من أن النبلاء الأوروبيين لا يرون الأوكران إلا من همج الشرق، ومع ذلك لا يمنع التحالف معهم في مقابل درء الخطر الروسي.

والغرب بقيادة - البريطانيين- يخشون أن تتحول هذه الطاقات النوعية والمرعبة لدى الأوكران إلى يد روسيا التي تمتلك أساساً النفط والغاز والسلاح، وأوروبا التي اعتادت على الاستعمار وأكل أموال الشعوب بالباطل لا تستطيع أن تتحمل أن يكون حاكم الكرملين مسيطراً على تلك الموارد الهائلة وبالتالي يتحكم في حياتهم وقراراتهم في الحرب والسلم.

لندن هي بالفعل من تقود المعركة السياسية والاستخبارية ضد موسكو، وهي من تغذي الكراهية وتدعم الحشد ضدها، بل هي من تحرك اللعبة كلها، وهو أمر يصب في صالح الأمريكان الذين يستعدون لبكين كعدو أول، لكن لا مانع من تحقيق رغبة البريطانيين في تفكيك أي احتمال لتحالف ألماني روسي كاد يتحقق بعد خط «غاز نورد ستريم 2» الذي أوقف حالياً، وإعادة ترتيب القارة العجوز لصالح الإنجليز التي خرجت من باب الاتحاد الأوروبي لتعود من النافذة الأوكرانية.

المعادلة البريطانية الأمريكية للظفر بالجميلة الأوكرانية تقف على خط (لا هزيمة لموسكو ولا انتصار للأوكران)؛ حرب استنزاف طويلة تستمر لسنوات لتركيع موسكو وتحطيم غرورها.

الألمان في هذه المعركة الطويلة يحتاجون إلى عنصر بشري أشقر وأخضر العين بدلاً من لاجئ سوري بملامح سمراء، جالباً معه كل عقده ومشاكله الشرق أوسطية، وهو مكسب تحقق للألمان في معركة لم يأمروا بها، صحيح أنها أخرت تحررهم من العبودية لواشنطن لكن البرغماتية السياسية تدفعهم لقبول تلك المكاسب البائسة.

الفرنسي في هذه الأزمة كما الطالب الفاشل في فصل منقسم على نفسه، دوره أن يحارش وينقل المعلومات الكاذبة ويهوّل من الحرب، ينام في حضن موسكو ليلاً وهو يلعن الإنجليز ويحتقرهم، ويستيقظ صباحاً يحرّض واشنطن على الروس.

وأخيراً هل ستخرج الجميلة أوكرانيا من هذا الصراع محطمة محتلة منتهكة.. أم ستُحكِّم عقلها وتهرب من الوحشين وتعيش محايدة بسلام؟