-A +A
أسامة يماني
أصبح العالم قرية صغيرة. ثورة النقل اختصرت المسافات، وثورة الاتصالات جعلت البعيد قريباً. الحدود تلاشت مع وسائل الاتصال. الجوال الذي بين يدينا جعل من اللاممكن ممكناً. ربطنا بالحدث وبالإعلام ومحطات التلفزة. كل شيء نراه في اللحظة ووقت حدوثه.

السعودية اليوم هي الانفتاح والتطور والتقدم. السعودية اليوم بالإضافة لقبلة المسلمين بكافة مذاهبهم ومشاربهم هي نيوم والعلا والرياض عاصمة الطاقة والمال والحدث والترفيه. السعودية اليوم المستقبل والجديد. العالم اليوم يشيد بهذا التطور الهائل وينظر بإعجاب لما يحدث وغبطة بل وحسد في بعض الأحيان.


رغم كل هذا الجهد ما زال هناك قصور في الأنظمة التي تستمد شرعيتها من الماضي والتقاليد والمفاهيم البالية. ما زال البعض يحارب التجديد والتنوع والاختلاف بحجة التقاليد والعادات.

هذا الانفصال بين المستقبل وبين الحاضر المكبل والمرتبط بمفاهيم الماضي يسيء إلينا وإلى صورتنا أمام العالم.

التشدد في التعامل مع المخالف في أمور وقناعات ناتجة عن ثقافة وتربية سابقة عاشها المجتمع في السعودية، التي تحث على التدخل في شؤون الآخرين اعتقاداً منهم أنهم بذلك ينتصرون للدين والإسلام الذي ضيقوا أفقه ومفاهيمه السمحة، وخاصة أن التسامح الديني اللامحدود هو ما يميز الدين الإسلامي الذي يحرص على الحفاظ على دور العبادة واحترامها ‏أياً كانت. قال تعالى «ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ». قال تعالى «لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَٰتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱلَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ».

ما زال هناك أناس في مواقع مسؤولة تحاول تطبيق مفاهيم عصور قديمة كانت لها مبرراتها وأسبابها في وقتها. ما زلنا نرى دعاوى وأحكاماً قضائية تتناقض مع الرؤية. نحتاج لمراجعات ودراسات جادة في هذا الخصوص لكي توضع الحلول والقوانين والإجراءات الكفيلة بحل هذا الوضع، وخاصة ونحن نطبق رؤية تأخذنا للمستقبل لا يستقيم معها وجود مثل هذا الخلل الخطير.

مدن حديثة عصرية مثل اوكساجون تشيّد وما زالت بعض الجهات تحارب الكلمات الأجنبية. ما زال البعض يعيش صدمة التغيير. كارهاً لكل جديد متمسكاً بالصور النمطية التي أراد الفكر الظلامي أن يعيشها المجتمع بعيداً عن إنسانيته وشهواته وملذاته. «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْآيَاتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ». وقال تعالى «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ». قال تعالى «وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ».

المشكلة تقبع في بعض العقول غير القادرة على أن تعيش الحياة. عقول تحارب كل غير مألوف لديها، وتعيش مفردات ومفاهيم الصحوة بعيدة عن سماحة الإسلام الذي لا تفهمه هذه العقول، لأنها تلقنته وحفظته كما قيل لهم وليس كما قال المولى جل جلاله.

نأمل ونتطلع لمراجعات جادة، وإعادة صياغة المناهج التعليمية، والإعلام، شريط أن لا تكتبها الأيدي المرتعشة ولا من يعيشون في عهد التلقين والمحاكاة والحفظ بعيداً عن العقل والمنطق السليم.