أياً كانت الكوارث التي تلم بالبشر ثمة شيء تحت ركامها يشي بأن العالم بخير ويسير في طريق التقدم. عندما بدأت الصحوة تطل بأنيابها في مطلع الثمانينات ظن الناس أن الصحوة جاءت لتحافظ على القيم السعودية والعربية النبيلة كردة فعل طبيعية. فالانفتاح الكبير الذي طال المجتمع السعودي في السبعينات كان واسعاً ومترامياً. بنية تحتية وابتعاث وتجديد القوانين والأنظمة ودعم غير مسبوق للأنشطة الرياضية والفنية. في خضم هذه النهضة أطلت الصحوة فظن كثير من الناس وأنا من بينهم أن هذا الذي نراه ليس سوى ممانعة طبيعية من المجتمع لضبط حركة التطور دون أن يفقد المجتمع (خصوصيته !) وما أن بلغ الزمن منتصف الثمانينات حتى تبيّن أن الأمر غير ذلك، ثمة حملة دينية يقودها مجموعة من البسطاء والسذج وأصحاب الأجندات والمرتزقين، وما أن بلغنا حقبة التسعينات حتى بسط الظلام أجنحته السوداء على كل شيء في حياتنا. تدهورت أحوال المرأة وتدهور حال التعليم والأدب والفكر وأصبح العقل رهينة للخرافات، بيد أن الخراب الذي تركته الصحوة في مكان لم يخلُ من أهم شيء تحتاجه الأمم العازمة على التقدم وهو وضوح سؤال النهضة ووضوح جوابه. من أين جاء فكر الصحوة؟ الجواب من التراث الديني. هذا السؤال والإجابة عليه أعظم ما احتاج إليه الإنسان المسلم على مر العصور. قبل الصحوة لا يوجد أي توجه جاد لمراجعة التراث. لم تحتقر المرأة باسم الدين بعد ولم تظهر داعش ولا الفكر الجهادي ولم تظهر مصطلحات مثل الاختلاط والعباءة الشرعية ولم نعرف شيئاً اسمه راقٍ شرعي وكان السحر والجن متخفيين في طيات الثقافة الشعبية البسيطة، ولم تستعر حرب شعواء على الفنون والآداب، ولم تظهر الفرقة الناجية والعداء التام لكل كائن ليس نحن. من أين جاء هذا وغيره. الجواب الواضح: من التراث الديني. لأول مرة منذ أربعين سنة عشتها أتابع الحياة الثقافية أسمع من يدافع عن القرآن الكريم كمصدر وحيد للتشريع الإسلامي. كنا نتنقل من فتوى إلى تفريع فتوى ومن تفريع فتوى إلى تفريع آخر حتى تراكمت الفتوى فلم نعد نسمع بالقرآن الكريم إلا في الصلاة وعلى ألسنة الرقاة المتكسبين منه، واكتشفنا أيضاً أن التراث يقول إن الحديث حاكم على القرآن.
ما بعد الصحوة لن يكون عودة إلى ما كنا عليه قبل الصحوة. الذي يتابع الشأن الديني على مستوى العالم الإسلامي سيرى أن هناك حركة مراجعة جسورة تجري. ما مبرر التزامنا بهذا التراث المتراكم عبر العصور؟ هذا السؤال سيغير قواعد العمل. لن ندين داعش باسم الدين. لن نستعين برجل دين يمدنا بفتوى تكفر داعش أو تفسقهم أو يصنفهم خوارج. نطارد داعش لأنها خرجت على النظام. نعاقب داعش أمنياً وليس دينياً.
كل ما يحدث اليوم يعود الفضل فيه إلى الصحوة. علينا جميعاً أن نشكر الله أن منّ علينا بهذه الكارثة العظيمة.
ما بعد الصحوة لن يكون عودة إلى ما كنا عليه قبل الصحوة. الذي يتابع الشأن الديني على مستوى العالم الإسلامي سيرى أن هناك حركة مراجعة جسورة تجري. ما مبرر التزامنا بهذا التراث المتراكم عبر العصور؟ هذا السؤال سيغير قواعد العمل. لن ندين داعش باسم الدين. لن نستعين برجل دين يمدنا بفتوى تكفر داعش أو تفسقهم أو يصنفهم خوارج. نطارد داعش لأنها خرجت على النظام. نعاقب داعش أمنياً وليس دينياً.
كل ما يحدث اليوم يعود الفضل فيه إلى الصحوة. علينا جميعاً أن نشكر الله أن منّ علينا بهذه الكارثة العظيمة.