-A +A
وفاء الرشيد
طرح الكاتب السعودي توفيق السيف السؤالين الأساسيين التاليين في مقالة منشورة مؤخراً:

«لماذا لا يستطيع عامة الناس مناقشة أحكام الدين والمشاركة في استنباطها؟ الثاني: لماذا لا يُسمح بإخضاع الأحكام والقيم الدينية للنقد، بناءً على مستخلصات العلم وإحكام العقل؟».


إنهما سؤالان خطيران لا بد من طرحهما في السياق الراهن الذي يعرف صراعاً واسعاً حول تأويل الإسلام وتحديد مرجعياته المنهجية والتصورية، بعد أن اقتحم ميدانه جمع كبير مرتفع الصوت من المتطرفين والمتأدلجين.

لا شك أن موضوع إعمال العقل واستخدامه أداة لنقد الموروث من الأساسيات، خصوصاً أن علماءنا اتفقوا سابقاً على أن سقف القطعيات اليقينية في الدين محدود لا يتجاوز أساسيات الاعتقاد وأصول الشريعة..

بل ورد عن الإمام أحمد بن حنبل «أن من ادعى الإجماع فهو كاذب». ومهما قال متأخرو مذهبه في تأويل هذا القول، فالحقيقة التي لا مراء فيها هي أن سلاح الإجماع الذي رفعه كثير من الفقهاء لمنع الاجتهاد لم يكن سائداً لدى أئمة الدين والعلم الأوائل.

ومع أن الجميع يعلم أن المعتزلة من أهل الكلام قدموا العقل على النقل، وقالوا بالتحسين العقلي في الأحكام والعادات والأخلاقيات، إلا أن أهل السنّة أيضاً منهم الكثيرون من الأشاعرة وأهل الحديث الذين اعتبروا أن البحث العقلي مقدم في العقائد ولولاه ما فهم النص. وها هو الإمام فخر الدين الرازي يقول بصراحة إن قانون التأويل يقتضي تقديم العقل على النقل عند التباس الدلالة، ذلك هو الرأي الذي اعتمده كثير من علماء الإسلام قديماً.

ومع أن بعض الفقهاء رفضوا في الظاهر فكرة التحسين العقلي، إلا أنهم في غالبيتهم قالوا بأطروحة مقاصد الشريعة التي هي كلها تعليل عقلي لأحكام الشرع بل إن الشاطبي قال إنها مشتركة بين كل الملل والمذاهب والمعتقدات.

وفي العصر الحديث، اتجه الفكر الإصلاحي، منذ مرحلته التأسيسية مع الإمامين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده قبل تراجع الاجتهاد النقدي في الفترة الأخيرة، إلى تجديد الدين عن طريق التفكير العقلاني الموضوعي.

ما يجب التنبيه إليه هنا هو أن العقل بالمفهوم الحديث تجاوز الجدل القديم حول طبيعة العقل هل هو جوهر أو غريزة، وهو جدل كان يقسّم الطوائف الإسلامية إلى فريقين متصادمين.

العقل بالمفهوم الحديث هو عقل تجريبي يستمد صلاحيته من النظرة الموضوعية للأشياء ومن الفاعلية الإجرائية الملموسة، ومن ثم لا معنى لرفضه أو التشكيك في قيمته إسلامياً على غرار العقل الوجودي أو الفيضي في العصر اليوناني.

العقل بالمفهوم الحديث يعترف بالنقل والنص، ويعتبر أن النص مثل الطبيعة يمكن أن يدرس بطريقة علمية موضوعية، ومن ثم لا معنى للقول إنه في تعارض مع النقل.

ما نحتاج إليه اليوم هو أن نعتبر أن العقل هو الميزان الذي منحه الله للبشر لكي يفهموا آياته ويجسدوا أحكامه، ولا مناص منه. أما الذين يرفضون العقل لأسباب دينية زائفة فهم في الحقيقة يدافعون عن عقولهم السقيمة.