-A +A
عبدالله بن بخيت
في إحدى المرات كنت أتسوق في بقالة صغيرة في مدينة تورنتو، اعتدت أن أتسوق فيها بين فينة وأخرى، فنمت بيني وبين صاحبها صحبة عابرة. سألني مرة: كيف ابنك في الدراسة؟ فطمأنته. ثم سأل ما التخصص؟ فقلت: برمجة. فقال مستغربا: لماذا لم يلتحق بالطب؟ وقبل أن أجيب سمعت فجأة صوتاً عربياً يأتي من مكان قصي في البقالة يقول بكل ثقة: «شو..؟ بدك الصهاينة يسمحوا لأولاد العرب بدخول كلية الطب». لم أرد عليه فليس من الحكمة أن ترد على مثل هذه الآراء. في كل مرة أجلس مع عرب من كل البلاد العربية ألاحظ أن أهم بند في طريقة تفكيرهم هو تحميل الآخرين سبب إخفاقهم. عندما يتقدم أحدهم إلى وظيفة أو كلية ويرفض ملفه فالسبب أن الكنديين البيض ضد أولاد العرب والمسلمين، وإذا أراد أن يمنح البيض الكنديين شيئا من العذر يكمل كلامه بقوله: «هذي البلد كلها تحت سيطرة الصهيونية».

إذا خرجت من بلادك واندمجت كثيرا مع العرب المهاجرين فاعلم أنك ستعود بطاقة سلبية تكفيك للفشل ما تبقى من عمرك. كل فشل يواجهه العرب في بلاد الغربة لا يعود إلى نقص في قدراتهم، فثمة شيء خارج عن الإرادة يتصدى لهم ويعيق تطورهم. بالجلوس معهم فترة طويلة سوف تقتنع أن سبب فشلك يعود إلى قوة خارقة لا قبل لك بها.


كثير من العرب المهاجرين لا ينفصلون عن الإحباط العام الذي يأخذونه معهم إلى كل مكان يستقرون فيه. أي شيء يصيبهم هو من الآخرين. الكارثة هي توقعاتهم وتقديرهم لقدراتهم وثقافتهم. عندما يهاجرون يأخذون معهم تاريخهم الملمع والمزخرف وخطب الدعاة النارية عن أخلاقهم الملائكية ورداءة أخلاق الشعوب الأخرى. تتملكهم ثوابت راسخة، أسرهم متماسكة ورائعة وأسر الآخرين مفككة. هذا علاوة على الذكاء والأمانة التي لا يملكها سواهم في هذا العالم. إذا بلغه أن الكنيسة الفلانية تبرعت ببناء مستشفى للفقراء يبادر على الفور قائلا: نحن أولى. أي من المفروض أن نسوي هذا الشيء لأننا أرحم منهم وأكثر أخلاقية. لا يقارن بما فعلناه على الأرض فليس بالضرورة أن نفعل شيئا أخلاقيا على أرض الواقع ومع ذلك (نحن أولى). يردد هذه العبارة أو ما يشبهها في كل مرة يسمع أن أمة غير مسلمة قامت بعمل إنساني. فعبارة (نحن الأولى منهم) تكفيه ليذهب وينام قرير العين. ومع هذا التفاخر الزائف والمتخيل أو بسببه إذا جلست معهم ستسمع مديح الحكواتية الذي تشربناه مع مادة التاريخ في المدرسة مخلوطا بالتذمر.

الواقع والنظرية والأوهام متداخلة كشيء واحد في الحوار معهم. مهما حاولت تفكيك هذه العناصر ستجابه بمزيد من التداخل. هذه الطاقات السلبية جعلتهم غير قادرين على الاندماج الإيجابي في المجتمعات التي هاجروا إليها. المحزن في الأمر في كل جلساتهم يلقون باللائمة على بلدانهم ولكنهم لا يتحدثون عن ثقافتهم وطريقة تفكيرهم وبنيتهم الفكرية وإنما يلقون باللائمة في كل ما يجري لهم على السياسي والمؤامرات الدولية.

بلغ بهم الإحباط أن أصبح كل بلد يهاجرون إليه سيئا لا يستحق مواهبهم ونبل أخلاقهم. المهاجر العربي في أمريكا يمدح كندا ويشتم أمريكا، والمهاجر في كندا يمدح أمريكا ويشتم كندا، والمهاجر في بريطانيا يشتم بريطانيا ويمدح فرنسا، والمهاجر في الكويت يشتم الكويت ويمدح السعودية، والمهاجر في السعودية يشتم السعودية ويمدح الإمارات. أي بلد يعيش فيه هو بلد مذموم إما بالعنصرية أو بالتخلف. لا يدركون أن مشكلتهم ثقافية وليست سياسية. قال عبدالله القصيمي: العرب ظاهرة صوتية. انقلوا عني قولي: العرب طاقة سلبية.