جريمة الفساد من أخطر الجرائم التي تعود سلباً على الفرد والمجتمع؛ لما ينتج عنها من تعطل النظام وتهديد الأخلاق وإسقاط الحقوق. اهتمت المملكة بمكافحة هذا النوع من الجريمة بجميع صورها وأشكالها بكل قوة وحزم، من خلال سن التشريعات ومباشرة تطبيقها من قبل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، والسعي بجهود حثيثة وكفاءات وطنية مؤهلة ومؤمنة بالتطوير، وتعزيز مبدأ النزاهة وسيادة القانون للقضاء على جميع أوجه الفساد الإداري والمالي. والنظام السعودي أولى لهذا النوع من الجريمة تصوراً وبناء تشريعياً محدداً، حيث سن لها أنظمة تحدد ماهية هذه الجرائم والعقوبات المقررة لها. فجريمة إساءة استعمال السلطة ترتبط بوجود السلطة، والسلطة لها حدود ثابتة وتجاوز هذه الحدود يعني إساءة استعمالها، فنصت المادة الثانية من المرسوم الملكي رقم 43 على عقوبة بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات أو بغرامة لا تزيد على عشرين ألف ريال لكل موظف ثبت ارتكابه لإحدى الجرائم الآتية، وتضمنت الفقرة الخامسة جرائم استغلال الموظف العام بما نصه: (استغلال الموظف العام لسلطة وظيفته - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - لتحقيق مصلحة شخصية له أو لغيره أو للإضرار بالغير، وذلك من خلال المنع أو الامتناع عن تطبيق ما تضمنته الأوامر أو المراسيم الملكية أو الأنظمة أو اللوائح أو قرارات مجلس الوزراء أو أوامر رئيس مجلس الوزراء أو تطبيقها على غير وجهها الصحيح أو في غير موضعها؛ متى كان ذلك الاستغلال متعمداً وبسوء نية. ولا يخل ذلك بالمساءلة التأديبية للموظف العام المقررة نظاماً). أما عن جرائم استغلال النفوذ، فقد نصت المادة الثانية من المرسوم الملكي رقم 43 بالفقرة (أ) على: (معاقبة كل موظف يثبت ارتكابه لجريمة استغلال نفوذ وظيفته لمصلحة شخصية في داخل الدائرة أو خارجها، وذلك بسجنه لمدة لا تزيد على عشر سنوات أو بغرامة لا تزيد على عشرين ألف ريال). وجُرم هذا الفعل لما ينطوي عليه من إساءة إلى الثقة الوظيفية، فالجاني لا يمارس عمله بما ينبغي عليه اتباعه من الحيدة والموضوعية، ويسيء بذلك إلى الجهة التي منحته ذلك النفوذ، فبدلاً من استعمالها وفق الأهداف التي حددها النظام جعلها وسيلة للإثراء غير المشروع، ولذلك نلاحظ قوة العقوبة التي تقررت لهذا النوع من الجريمة. كما فرد المنظم أحكاماً تفصيلية لنوع خطير من جرائم الفساد، وأطلق عليها «الجرائم المُلحقة بجريمة الرشوة»، كي لا يفلت صاحبها من نصوص التجريم لغياب عنصر الفائدة أو العطية أو المقابل، فنصت المادة الرابعة من النظام على ما يلي: «كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة، يعد في حكم المرتشي، ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين». وباستقراء النص السابق يتضح قيام جميع عناصر جريمة الرشوة الأصلية ماعدا عنصر واحد وهو المقابل، وبسبب ذلك فإنها تكون من الجرائم الملحقة بالرشوة من حيث الوصف الجُرمي. ويعتبر الرجاء ما يصدر من الأدنى للأعلى، وعكسه التوصية التي تكون صادرة من الأعلى للأدنى. وعموماً فقد استهدف المنظم من النص على هذه الجريمة مكافحة كل وسائل الخروج عن النظام ومخالفته، التي قد تؤثر في نفس الموظف، فتنحرف به عن مقتضيات وظيفته. ومع تسارع الحركة والنمو في كافة المجالات، لاحظنا تسارع المشرع أيضاً وتواكبه مع كافة المتغيرات، فاليوم نحن ننام ونستيقظ في هذا البلد الأمين وكلنا يقين أنه مهما بلغ حجم نفوذ أي من كان لن يستطيع الفاسد الإفلات من المساءلة والعقوبة القانونية، وقد قالها رجل الأفعال ولي العهد محمد بن سلمان حفظه الله «لن ينجو أحد تورَّط في الفساد أيّاً كان وزيراً أو أميراً».