-A +A
عبداللطيف الضويحي
كان لا بد من قمة جدة للأمن والتنمية كي يفهم قادة دول المنطقة حجم التلازم بين التنمية والأمن والتي بسببها اكتوت كثير من دول المنطقة بويلات الحروب والدمار والفوضى والتشرد. كان لا بد من قمة جدة للأمن والتنمية كي تكون وجهة المنطقة ككل واضحة.

فمن البديهي أن الأمن لا يتحقق من دون التنمية ولا التنمية من دون الأمن يمكن تحقيقها. فكانت أهداف القمة واضحة للذين غرقت بلدانهم بالفوضى والحروب والفقر بسبب سوء إدارتهم وفسادهم وعنصرية أنظمتهم وهذا كله نتيجة واحدة لعدم فهم التلازم الطبيعي بين الأمن والتنمية.


ما بعد قمة جدة ليس كما قبلها، ولذلك بعثت قمة جدة برسالة صريحة وواضحة نداء سلام إلى إيران التي تتعمد تجاهل التنمية في إيران وتبدد أموال شعبها بدلا من ذلك في ما يزعزع أمن جيرانها وضرب الوحدة الوطنية لكل دولة ونشر الفوضى والخراب فيها.

كان احتضان المملكة لهذه القمة نتيجة طبيعية لما حققته المملكة من مؤشرات عالمية في كافة مسارات التنمية من خلال مدرستها التنموية الرائدة والفريدة والتي يقودها عرّاب رؤية المملكة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث انعكست أمنا في كافة ربوع المملكة، وليس أدل على الأمن الذي تنعم به المملكة من استضافة المملكة، قبل قمة جدة بأسبوع وعلى بعد 50 كيلومترا من جدة، لأكبر تجمع بشري في مكة المكرمة والذي عادة ما يتراوح سنويا ما بين مليون وثلاثة ملايين حاج من مختلف اللغات البشرية والخلفيات المتباينة، ومن خلال إدارة محترفة للحج بسلاسة وتناغم وروحانية وأمن وأمان.

كانت قمة جدة جريئة بتوجيهها رسائل سلام لإيران عابرة للحواجز الأيديولوجية تتمترس وراءها من خلال إيهام بعض فئات شعبها بافتعال العداء من دول الجوار، لقد نجح العالم بأقطابه من خلال قمم جدة بإرسال الرسالة الدبلوماسية الودية إلى إيران الشعب والنظام حتى لا يكون بعد ذلك عذر للشعب الإيراني بفئاته الموالية والمعارضة للنظام.

فالقمة تدعو إيران لاحترام القانون الدولي، وهو من يخرق القانون الدولي ولا يحترم المواثيق ولا يحترم الجوار ولا الروابط الدينية والثقافية مع شعوب ودول المنطقة. في الحقيقة لا أحد يريد الإضرار بإيران والشعب الإيراني من دول الجوار، إنما الحقيقة هي أن دول الجوار وشعوبها هي المتضرر من سلوك النظام الإيراني العدواني، وهذه الخطوة مهمة لما سيأتي بعدها من خطوات، إذا ما أصر النظام الإيراني على التمادي في انتهاكاته لسيادة الدول وارتكابه الفظاعات بحق شعوب المنطقة. لقد بدأت مرحلة الشرق الأوسط بعد قمة جدة، فهي بالتأكيد ليست كما قبلها ومن المؤكد أن هناك تطورات ستأتي ترجمةً لمقررات قمة جدة سواء في إطار مجلس التعاون الخليجي، أو على الصعيد العربي ككل أو من خلال تحالفات دولية.

أمام إيران فرصة قد لا تتكرر، بالتقدم خطوة باتجاه رسائل السلام من جدة قبل أن تتسبب بدفع دول المنطقة لانتشار السلاح النووي والذي تعرف إيران أنه سلاح للردع إلا في الشرق الأوسط، حيث العقلية الإيرانية والإسرائيلية التوسعية وحيث لا يعيش ولا يتعايش النظامان في طهران وتل أبيب.

على إيران أن تتقدم خطوة باتجاه رسالة السلام التي بعثتها لها قمة جدة والقادة المجتمعون في قمة الأمن والتنمية لتثبت صحة ادعائها بأن مشكلات المنطقة لا يجب أن يتصدى لها إلا أهلها، ولتقنعنا طهران بأن أهدافها مختلفة عن أهداف إسرائيل في منطقتنا العربية، ولتعطينا طهران دليلا على احترامها للقانون الدولي برفع يدها عن الدول العربية التي نشرت فيها الفوضى والمجاعات والفقر والدمار بدلا من انغماسها بإرسال مسيراتها ومجنحاتها لدول المنطقة وادعائها المظلومية. ولتبادر إيران بالدعوة لمفاوضات جادة مع دول المنطقة حول مشكلاتها التي ترفض أن تتضمنها مفاوضات فيينا.

مرة أخرى أثبتت المملكة في قمة جدة أن التطبيع مع إسرائيل غير ممكن قبل حصول الشعب الفلسطيني على حقه في دولة مستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس، وفق قرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربية، هو الطريق الذي يؤدي للتطبيع وليس هناك بديل عن ذلك.

أخيرا، رسّخت قمم جدة مفهوما جديدا لبناء العلاقات والشراكات مع الدول العظمى على أساس مصالح دولنا أولا وأخيرا، ورفض فرض قيم دول تحت أي ذريعة على دول أخرى.