-A +A
طلال صالح بنان
زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، الأسبوع الماضي، والتي كانت إسرائيل محطتها الأولى، يجد المتَتَبع للحَدَثَ، وكذا تصريحات المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم الرئيس بايدن، نفسه، أن إسرائيل كانت طوال الزيارة حاضرة حتى وإن هي غائبة. مبدئياً: لم تأتِ الزيارة بالجديد، في ما يخص التأكيد على الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل.. وضمان تفوقها الاستراتيجي في المنطقة.. وتكرار تأييد إسرائيل ظالمةً ومغرقةً في الظلم، بأي ثمن. وإن كان من جديد هنا، فهو: تأطير ما هو واقع بالفعل قانونياً، في شكل شراكة استراتيجية ثنائية. حتى ما سمي بإعلان القدس، لم يكن جديداً، فالعنوان نفسه تأكيدٌ لاعتراف الولايات المتحدة بالقدس، في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، كونها العاصمة الأبدية الموحدة لدولة إسرائيل.

ثلاثة أيام أمضاها الرئيس الأمريكي في إسرائيل، في رحلة للمنطقة استغرقت أربعة أيام. من الثلاثة أيام خصص الرئيس بايدن أقل من ساعتين، لما تبقى من فلسطين للفلسطينيين من أراضٍ للإعلان عن مشروعات خدمية بها، في ظل الاحتلال، وليس اعتبارها أراضي يمكن أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية، ضمن مشروع حل الدولتين، الذي أضحى في رأي الرئيس بايدن بعيد المنال.. ويجب ألا يُربط بمسار التطبيع! وللتأكيد على أن زيارته للأراضي الفلسطينية ليست رسمياً زيارة دولة، حَرِصَ الرئيس بايدن أن يكون لقاؤه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيت لحم وليس رام الله!


إقليمياً: ربما يكون الجديد في الزيارة تعهّد الرئيس الأمريكي بدمج إسرائيل استراتيجياً في المنطقة. صحيح: أن المنطقة تموج اليوم بتحديات وأحداث غير تقليدية شديدة الخطورة، وتشهد استقطاباً أممياً غير مسبوقٍ، إلا أن هذا الواقع إنما هو من طبيعة حالة عدم الاستقرار المزمن في المنطقة، الذي يرى كثيرون أن سببه الرئيس وجود إسرائيل نفسها، بعقيدتها العنصرية واستراتيجيتها العدوانية التوسعية.

لكن تبقى عقدة إسرائيل متمثلة في هاجس الأمن الذي يقض مضجعها، وفي عقدة الشرعية التي لن تستطيع الفكاك منها وتمسّ وجودها نفسه. في إعلان القدس تعهدت الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل وتفوقها الاستراتيجي، بالإضافة لمنحها «صك» حصانة دائمة في المحافل الدولية، ضد المساءلة القانونية والسياسية والأخلاقية لاحتلالها للأرض العربية.. وتهديدها لأمن العرب القومي.. وتنكيلها بالشعب الفلسطيني، واعتداءاتها المتكررة على مقدسات العرب في فلسطين. مع ذلك إسرائيل لن تشعر بالأمن، أبداً.. كما أن الولايات المتحدة نفسها، لن تحظى أبداً بثقة إسرائيل، في ما يخص أمنها القومي، كما أشار لذلك صراحةً رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف (يائير لابيد) أمام ضيفه الكبير.

هذا التركيز، من قبل الرئيس بايدن، على التأكيد بأن الزيارة هي في الأساس لإسرائيل ومن أجلها، لا يمكن تفسيره خارج حسابات الداخل الأمريكي السياسية. اليوم: أداء إدارة الرئيس بايدن في أدنى مستويات شعبيته. التضخم يعصف بالولايات المتحدة.. وتحتدم بها أزمة طاقة خانقة.. وتواجه تحديات استراتيجية في أوروبا ومنطقة الباسفيك والخليج العربي، تنال من مكانتها الكونية المرموقة. على المحك، إذن: مستقبل النصف الثاني من ولاية الرئيس بايدن، وقد اقترب موعد انتخابات الكونجرس النصفية، نوفمبر القادم.. دعك من التفكير في فرص الفوز بولاية ثانية، في انتخابات نوفمبر ٢٠٢٤.

طالما الزيارة لم تتطرق لقضايا المنطقة المستعصية والمتفجرة، التي سببها في الأساس ومصدرها سلوك إسرائيل، ووجودها نفسه.. وترقى إلى مستوى خطورتها على استقرار المنطقة وسلام العالم، فإن أجندة الزيارة سيكون مآلها الفشل الذي لحق بكل مبادرات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لأكثر من نصف قرن، من اتفاقات كامب ديفيد، وصولاً لاستراتيجية دمج إسرائيل في المنطقة، مروراً بمشروع حل الدولتين وصفقة القرن والتطبيع واتفاقات أبراهام.

واشنطن لم تتوفر لديها بعد الإرادة المخلصة، لرعاية السلام في أرض الرسالات.